«ليظهر» ، و «لتتبين» جرت مجرى الظاهرة ، فجاز العطف عليها.
وجوّز أبو البقاء (١) أن تكون الواو زائدة ، وعلى هذا ، فاللام متعلقة ب (نداولها) من غير تقدير شيء ، ولكن هذا لا حاجة إليه.
ولم يجنح إلى زيادة الواو إلا الأخفش في مواضع ـ ليس هذا منها ـ ووافقه بعض الكوفيين على ذلك.
وقدّره الزّمخشريّ : «فعلنا ذلك ليكون كيت وكيت ، وليعلم». فقدر عاملا ، وعلق به علة محذوفة ، عطف عليها هذه العلة.
قال أبو حيان : «ولم يعيّن فاعل العلة المحذوفة ، إنما كنّى عنه ب «كيت وكيت» ، ولا يكنّى عن الشيء حتى يعرف ، ففي هذا الوجه حذف العلة ، وحذف عاملها ، وإبهام فاعلها ، فالوجه الأول أظهر ؛ إذ ليس فيه غير حذف العامل». ويعني بالوجه الأول أنه قدّره : وليعلم الله فعلنا ذلك ـ وهو المداولة ، أو نيل الكفار منكم ـ.
وقال بعضهم : «اللام المتعلقة بفعل مضمر ، إما بعده ، أو قبله ، أما الإضمار بعده فبتقدير : وليعلم الله الذين آمنوا فعلنا هذه المداولة ، وأما الإضمار قبله فعلى تقدير : وتلك الأيام نداولها بين الناس لأمور : منها : ليعلم الله الذين آمنوا ، ومنها : ليتخذ منكم شهداء ، ومنها : ليمحص الله الذين آمنوا ، ومنها : ليمحق الكافرين. فكل ذلك كالسبب والعلّة في تلك المداولة». والعلم هنا ـ يجوز أن يتعدّى لواحد ، قالوا : لأنه بمعنى : عرف ـ وهو مشكل ؛ لأنه لا يجوز وصف الله تعالى بذلك لما تقدم أن المعرفة تستدعي جهلا بالشيء ـ أو أنّها متعلقة بالذات دون الأحوال. ويجوز أن يكون متعديا لاثنين ، فالثاني محذوف ، تقديره : وليعلم الله الذين آمنوا مميزين بالإيمان من غيرهم.
والواو في قوله : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) لها نظائر كثيرة في القرآن ، كقوله : (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام : ٧٥] وقوله : (وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١١٣].
فصل
تقدير الكلام : وتلك الأيام نداولها بين الناس ، ليكون كيت وكيت ، وليعلم الله ، وإنما حذف المعطوف عليه ، للإيذان بأن المصلحة في هذه المداولة ليست بواحدة ؛ ليسلّيهم عما جرى ، وليعرّفهم تلك الواقعة ، وأن شأنهم فيها فيه من وجوه المصالح ما لو عرفوه لسرّهم.
فإن قيل : ظاهر قوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) مشعر بأنه ـ تعالى ـ إنما فعل تلك المداولة ، ليكتسب هذا العلم ، وذلك في حقه تعالى محال ، ونظير هذه الآية ـ
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٥٠.