في الإشكال ـ قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢] وقوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) [العنكبوت : ٣]. وقوله : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) [الكهف : ١٢] وقوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [محمد : ٣١] وقوله : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) [البقرة : ١٤٣] وقوله : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [هود : ٧]. ولقد احتج هشام بن الحكم بظواهر هذه الآيات على أن الله تعالى لا يعلم حدوث الحوادث إلا عند وقوعها ، فقال : كل هذه الآيات دالة على أنه ـ تعالى ـ إنما صار عالما بحدوث هذه الأشياء عند حدوثها.
وأجاب المتكلمون عنه بأن الدلائل العقلية دلّت على أنه ـ تعالى ـ يعلم الحوادث قبل وقوعها فثبت أن التغيير في العلم محال ، إلا أن إطلاق لفظ العلم على المعلوم ، والقدرة على المقدور مجاز مشهور ، يقال : هذا علم فلان ـ والمراد : معلومه ـ وهذه قدرة فلان ـ والمراد : مقدوره ، فكل آية يشعر ظاهرها بتجدّد العلم ، فالمراد : تجدّد المعلوم.
إذا عرف هذا فنقول : في هذه الآية وجوه :
أحدها : ليظهر الإخلاص من النفاق ، والمؤمن من الكافر.
وثانيها : ليعلم أولياء الله ، فأضاف العلم إلى نفسه تفخيما.
وثالثها : ليحكم بالامتياز فوضع العلم مكان الحكم بالامتياز ؛ لأن الحكم لا يحصل إلا بعد العلم.
ورابعها : ليعلم ذلك واقعا كما كان يعلم أنه سيقع ؛ لأنّ المجازاة تقع على الواقع ، دون المعلوم الذي لم يوجد.
قوله : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) الظاهر أن «منكم» متعلّق بالاتخاذ ، وجوزوا فيه أن يتعلق بمحذوف ، على أنه حال من «شهداء» ؛ لأنه ـ في الأصل ـ صفة له.
فصل
والمراد بقوله : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) أي : شهداء على النّاس بما صدر منهم من الذنوب والمعاصي ، فإن كونهم شهداء على الناس منصب عال ، ودرجة عالية.
وقيل : المراد منه : ويكرم قوما بالشهادة ؛ وذلك : لأن قوما من المسلمين فاتهم يوم بدر ، وكانوا يتمنّون لقاء العدو ، وأن يكون لهم يوم كيوم بدر ؛ يقاتلون فيه العدو ، ويلتمسون فيه الشهادة ، والقرآن مملوء من تعظيم حال الشهداء ، فإنه قرنهم مع النبيين في قوله : (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) [الزمر : ٦٩] وقوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ