عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(١٤٤)
«ما» نافية ، ولا عمل لها هنا مطلقا ـ أعني : على لغة الحجازيين والتميميّين ؛ لأن التميميين لا يعملونها ـ ألبتة ـ والحجازيين يعملونها بشروط ، منها : ألا ينتقض النفي ب «إلا» إذ يزول السبب الذي عملت لأجله ـ وهو شبهها ب «ليس» في نفي الحال ـ فيكون «محمّد» مبتدأ ، و «رسول» خبر (١).
__________________
(١) هذا أحد المواضع التي يتقدم فيها المبتدأ ويتأخر الخبر وجوبا وحاصلها خمسة مواضع.
أولها : أن يخاف التباسه بالمبتدأ ، وذلك إذا كانا معرفتين أو نكرتين متساويين في التخصيص (أي كل منهما صالحة لجعلها مبتدأ) ولا قرينة تميز أحدهما من الآخر ؛ فالمعرفتان نحو : (سرورنا غم أعداءنا) و (صديقي علي) فلو قدمت الخبر يصير التركيب هكذا (غمّ أعداءنا سرورنا) و (علي صديقي) لتوهم أنه مبتدأ وعلى ذلك يكون للجملة معنى غير المعنى الأول.
واعلم أن المراد بتعريفهما : ما يشمل المتحدين في النوع والمختلفين فيه ، فالأول نحو : (صديق زيد صديق عمرو) والثاني نحو : (محمد الأكرم ـ وأنت الأفضل) فكل منهما صالح لأن يخبر به وعنه ، فإنك لو قلت : أحمد أخي ، وقدمت أخي على أحمد ، لصح ذلك ، إلا أن المعنى يختلف باختلاف الفرض ، فإذا كان المخاطب يعرف أحمد بعينه واسمه ، لكنه يجهل اتصافه بأنه أخوك قلت له : ـ أحمد أخي لا غير ذلك تقول. أما إذا كان يعرف أن لك أخا غير أنه يجهل عينه واسمه ، قلت له أخي أحمد ـ وكذا الحال في المثال المتقدم ؛ فإنه لا يكون على ما ذكر من الترتيب ، إلا إذا كان يعرف مخاطبك أن لك صديقا ويجهل اسمه ، فإذا كان يعلم اسمه دون صداقته عكست له ذلك الترتيب وقلت : ـ علي صديقي ، فالمجهول للمخاطب هو الذي يجعل خبرا في مثل ذلك ، هذا هو المشهور ، وبعضهم يجوز التأخير فيجعل الجزء الثاني مما تقدم من الأمثلة مبتدأ مؤخرا ، مع جواز أن يكون خبرا.
وبعضهم ينظر إلى الأعم منهما فما كان أعم جعل خبرا ، نحو «زيد صديقه» إذا كان له أصدقاء غيره.
وبعضهم يرى : أن الأعرف هو المبتدأ وغيره الخبر (كأنتم الذين أحسنتم) ما عدا اسم الإشارة مع معرفة أخرى فإنه يتعين للابتدائيه لمكان حرف التنبيه ، وإن كانت المعرفة الأخرى أعرف منه ، تقدّم إلّا مع الضمير ، فإنه يتعين جعل الضمير مبتدأ وإدخال حرف التنبيه عليه فتقول : (ها أنذا) وقد سمع (هذا أنا). وبعضهم ينظر إلى جمودهما واشتقاقهما ؛ فالجامد هو المبتدأ والخبر المشتق تقدم أو تأخر ، نحو : (القائم زيد). وأما النكرتان المتساويتان فنحو : (أفضل منك أفضل مني) أي لكوني دونك أو مساويك هذا عند عدم القرينة ، أما إذا وجدت فالحكم لها ، نحو : (رجل صالح حاضر) ففي هذا المثال قرينة لفظية هي الصفة ، فإنها قاضية بأن النكرة الموصوفة مبتدأ ، متقدمة كانت أو متأخرة.
كما لا يجب تأخير الخبر في هذا ونحوه ؛ لوجود القرينة اللفظية ، كذلك لا يجب مع وجود القرينة المعنوية ، نحو : أبو يوسف أبو حنيفة. فإن القرينة المعنوية وهي التشبيه الحقيقي قاضية بأن (أبو يوسف) مبتدأ ؛ لأنه مشبه وأبو حنيفة الخبر ؛ لأنه مشبه به تقدم أو تأخر ؛ ومن ذلك قول الشاعر :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا |
|
بنوهن أبناء الرجال الأباعد |
فإن قرينة التشبيه الحقيقي حاكمة بأن بني الأبناء مشبهون بالأبناء في محبتهم والعطف عليهم فبنو أبنائنا مبتدأ موخر ، وبنونا خبر مقدم أي بنو أبنائنا مثل بنينا هذا على حقيقة التشبيه ويضعف أن يكون على التشبيه المقلوب للمبالغة لأن التشبيه المقلوب أمر نادر ولا يحمل على النادر إلا اضطرارا.
ثانيها : أن يخاف التباس المبتدأ بالفاعل وذلك إذا كان الخبر فعلا مسندا لضمير المبتدأ المستتر بمعنى أن يكون فاعل ذلك الفعل ليس له صورة في اللفظ بل يكون ضميرا مستترا ، نحو : (محمد قام ، أو ـ