عن الكفار بأنهم يحشرون إلى جهنم ، فلو آمنوا لانقلب هذا الخبر كذبا ، وذلك محال ، فكأنّ الإيمان منهم محال ، وقد أمروا به ، فيكون تكليفا بالمحال.
(سَتُغْلَبُونَ) إخبار عن أمر يحصل في المستقبل ، وقد وقع مخبره على (١) موافقته ، فكان هذا إخبارا عن الغيب ، فهو معجز ، ونظيره ـ في حق عيسى ـ (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) [آل عمران : ٤٩].
قوله : (وَبِئْسَ الْمِهادُ) المخصوص بالذم محذوف ، أي بئس المهاد جهنم ، والحذف للمخصوص يدل على صحة مذهب سيبويه (٢) من أنه مبتدأ.
والجملة قبله خبره ، ولو كان ـ كما قال غيره ـ مبتدأ محذوف الخبر ، أو بالعكس ، لما حذف ثانيا ؛ للإجحاف بحذف سائر الجملة.
و «بئس» مأخوذ من البأساء ، وهو الشر والشدة ، قال تعالى : (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) [الأعراف : ١٦٥] أي : شديد.
قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (١٣)
«قد كان» جواب قسم محذوف ، و «آية» اسم «كان» ولم يؤنث الفعل ؛ لأن تأنيث الآية مجازيّ ، ولأنها بمعنى الدليل والبرهان.
فهذا (٣) كقول امرىء القيس : [المتقارب]
١٣٥٠ ـ برهرهة ، رؤدة ، رخصة |
|
كخرعوبة البانة المنفطر (٤) |
قال الأصمعي : «البرهرهة : الممتلئة المترجرجة ، والرّؤدة ، والرادة : الناعمة».
قال أبو عمرو : وإنما قال : المنفطر ، ولم يقل : المنفطرة ؛ لأنه ردّ على القضيب ، فكأنه قال : البان المنفطر ، والخرعوبة : القضيب ، والمنفطر : الذي ينفطر بالورق ، وهو ألين ما يكون.
قال أبو حيّان : أوّل البانة بمعنى القضيب ، فلذلك ذكر المنفطر ، ولوجود الفصل ب «لكم» فإن الفصل مسوغ لذلك مع كون التأنيث حقيقيّا ، كقوله : [البسيط]
١٣٥١ ـ إنّ امرأ غرّه منكنّ واحدة |
|
بعدي وبعدك في الدّنيا لمغرور (٥) |
__________________
(١) في أ : عن.
(٢) ينظر : الكتاب ١ / ٣٠٠.
(٣) في أ : فهو.
(٤) ينظر ديوانه ٥٣ ، واللسان (بره) والتاج ٩ / ٣٧٩.
(٥) ينظر البيت في الإنصاف ١ / ١٧٤ ، وتخليص الشواهد ص ٤٨١ ، الخصائص ٢ / ٤١٤ ، الدرر ٦ / ـ