وقرىء : يؤته ـ بياء الغيبة ـ والضمير لله تعالى ، وكذلك : «وسنجزي الشاكرين» بالنون والياء.
فصل
نزلت في الذين تركوا المركز يوم أحد ؛ طلبا للغنيمة ، (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) يعني : الغنيمة ، قوله : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) قيل : أراد ثبتوا مع أميرهم عبد الله بن جبير حتى قتلوا ، وهذه الآية ـ وإن وردت في الجهاد خاصة ـ عامة في جميع الأعمال ؛ لأن المؤثر في جلب الثواب والعقاب هو القصد والدواعي ، لا ظواهر الأعمال.
ثم قال : (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) أي : المؤمنين المطيعين.
عن أنس بن مالك ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من كانت نيّته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدّنيا وهي راغمة. ومن كانت نيّته طلب الدّنيا جعل الله الفقر بين عينيه ، وشتّت عليه أمره ، ولا يأتيه منها إلّا ما كتب له» (١) وروى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّما الأعمال بالنيات ، وإنّما لكل امرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (٢).
قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)(١٤٦)
هذه اللفظة ، قيل : هي مركبة من كاف التشبيه ، ومن «أيّ» ، وقد حدث فيهما بعد التركيب معنى التكثير ، المفهوم من «كم» الخبرية ، ومثلها في التركيب وإفهام التكثير : «كذا» في قولهم : له عندي كذا درهما ، والأصل : كاف التشبيه و «ذا» الذي هو اسم إشارة ، فلما ركّبا حدث فيهما معنى التكثير ، ف «كم» الخبرية وكأيّن وكذا كلها بمعنى واحد ، وقد عهدنا في التركيب إحداث معنى آخر ؛ ألا ترى أن «لولا» حدث لها معنى جديد ، وكان من حقها ـ على هذا ـ أن يوقف عليها بغير نون ؛ لأن التنوين يحذف وقفا ، إلا أن الصحابة كتبتها «كأيّن» ـ بثبوت النون ـ ، فمن ثم وقف عليها جمهور القراء بالنون ؛ اتّباعا لرسم المصحف.
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٤ / ٥٥٤) رقم (٢٤٦٥) وأبو نعيم في «الحلية» (٦ / ٣٠٧) وابن أبي حاتم في الزهد كما في «كنز العمال» (٦٢٧٨) والحارث في «مسنده» كما في المطالب (٣ / ٢٠٧) رقم (٣٢٧٠) من طريق الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا وأخرجه البزار كما في «مجمع الزوائد» (١ / ٢٤٧) وقال الهيثمي : وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وللحديث شاهد عن زيد بن ثابت.
أخرجه أحمد (٥ / ١٨٣).
(٢) تقدم.