وقيل : ما وهنوا لقتل من قتل منهم.
فصل
المعنى : ما جبنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا عن الجهاد بما نالهم من الجراح ، وما استكانوا للعدو (١).
وقال مقاتل : وما استسلموا ، وما خضعوا لعدوهم (٢).
وقال السّدّيّ : وما ذلوا (٣). وهذا تعريض بما أصابهم من الوهن ، والانكسار عند الإرجاف بقتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين ، واستكانتهم للكافرين ، حتى أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبد الله بن أبيّ ؛ ليطلب لهم الأمان من أبي سفيان.
ويحتمل ـ أيضا ـ أن يفسّر الوهن باستيلاء الخوف عليهم ، ويفسّر الضعف بأن يضعف إيمانهم ، وتقع الشكوك والشبهات في قلوبهم ، والاستكانة : هي الانتقال من دينهم إلى دين عدوهم.
ثم قال : (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) أي : من صبر على تحمّل الشدائد في طريق الله ولم يظهر الجزع والعجز والهلع ؛ فإنّ الله يحبه. ومحبة الله ـ تعالى ـ للعبد عبارة عن إرادة إكرامه وإعزازه وتعظيمه ، والحكم له بالثواب والجنة.
قوله تعالى : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(١٤٨)
الجمهور على نصب (قَوْلَهُمْ) خبرا مقدّما ، والاسم «أن» وما في حيزها ، تقديره : وما كان قولهم [إلا هذا الدعاء ، أي : هو دأبهم وديدنهم].
وقرأ ابن كثير وعاصم ـ في رواية عنهما ـ برفع «قولهم» (٤) على أنه اسم «كان» والخبر «أن» وما في حيزها. وقراءة الجمهور أولى ؛ لأنه إذا اجتمع معرفتان فالأولى أن تجعل الأعرف اسما ، و «أن» وما في حيزها أعرف ؛ قالوا : لأنها تشبه المضمر من حيث إنها لا تضمر ، ولا توصف ، ولا يوصف بها ، و «قولهم» مضاف لمضمر ، فهو في رتبة العلم ، فهو أقلّ تعريفا.
__________________
(١) ذكره أبو حيان في «البحر المحيط» (٣ / ٨٠).
(٢) انظر المصدر السابق.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٧٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٤٧).
وانظر «البحر المحيط» لابن حيان (٣ / ٨٠).
(٤) انظر : الشواذ ٢٣ ، والمحرر الوجيز ١ / ٤٣٣ ، والبحر المحيط ٣ / ٨١ ، والدر المصون ٢ / ٢٣٠.