بالحسن ؛ تنبيها على جلالة ثوابهم ، وذلك لأنّ ثواب الآخرة كلّه في غاية الحسن.
ويجوز أن يحمل قوله : «فآتاهم» على أنه سيؤتيهم ، كقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١] أي : سيأتي أمر الله.
قيل : ولا يمتنع أن تكون هذه الآية مختصة بالشهداء ـ وقد أخبر ـ تعالى ـ عن بعضهم أنهم أحياء ، عند ربّهم يرزقون ـ فيكون حال هؤلاء ـ أيضا ـ كذلك.
فصل
قال فيما تقدم : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) [آل عمران : ١٤٥] فأتى بلفظ «من» الدالة على التبعيض ، وقال هنا : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) ولم يذكر كلمة «من» لأن الذين يريدون ثواب الآخرة إنما اشتغلوا بالعبادة لطلب الثواب ، فكانت مرتبتهم في العبودية نازلة عن مرتبة هؤلاء ؛ لأنهم لم يذكروا من أنفسهم إلا الذنب والتقصير ، ولم يذكروا التدبير والنصرة والإعانة إلا من ربّهم ، فكان مقامهم في العبودية في غاية الكمال ؛ لأنّهم أرادوا خدمة مولاهم ، وأما أولئك فإنما أرادوا الثواب.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ)(١٥١)
لما أمر الله تعالى بالاقتداء بأنصار الأنبياء حذّر عن طاعة الكفار ـ يعني مشركي العرب ـ وذلك أنّ الكفار لما أرجفوا بقولهم : إن النبي صلىاللهعليهوسلم قد قتل ودعا المنافقون بعض ضعفة المسلمين ، منع المسلمين بهذه الآية عن الالتفات إلى كلام أولئك المنافقين.
وقيل : المراد ـ بالذين كفروا ـ عبد الله بن أبي وأتباعه في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة : ارجعوا إلى إخوانكم ، وادخلوا في دينهم ، وقالوا : لو كان محمد رسول الله ما وقعت له هذه الواقعة ، وإنما هو رجل كسائر الناس ، يوم له ، ويوم عليه.
وقال آخرون : المراد ـ بالذين كفروا ـ اليهود الذين كانوا بالمدينة يلقون الشّبهات.
وقيل : المراد أبو سفيان ؛ لأنه كان شجرة الفتن.
قال ابن الخطيب : «والأقرب أنه يتناول كلّ الكفار ؛ لأن اللفظ عامّ ، وخصوص السبب لا يمنع من عموم اللفظ».
قوله : (يَرُدُّوكُمْ) جواب (إِنْ تُطِيعُوا) وقوله : (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) لا يمكن حمله على طاعتهم في كل ما يقولونه ، بل لا بدّ من التخصيص.