قوله : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) هذا من تمام ما تقدم من وجوه الترغيب في الجهاد وعدم المبالاة بالكفار.
قوله : (سَنُلْقِي) الجمهور بنون العظمة ، وهو التفات من الغيبة ـ في قوله : (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) وذلك للتنبيه على عظم ما يلقيه ـ تعالى ـ (١).
وقرأ أيوب السّختيانيّ «سيلقي» بالغيبة ؛ جريا على الأصل. وقدم المجرور على المفعول به ؛ اهتماما بذكر المحلّ قبل ذكر الحال : والإلقاء ـ هنا ـ مجاز ؛ لأن أصله في الأجرام ، فاستعير هنا ، كقول الشّاعر : [الطويل]
١٦٥٥ ـ هما نفثا في فيّ من فمويهما |
|
على النّابح العاوي أشدّ رجام (٢) |
وقرأ ابن عامر والكسائيّ ، وأبو جعفر ، ويعقوب : «الرّعب» و «رعبا» (٣) ـ بضم العين ـ والباقون بالإسكان فقيل : هما لغتان.
وقيل : الأصل الضم ، وخفّف ، وهذا قياس مطرد.
وقيل : الأصل السكون ، وضمّ إتباعا كالصبح والصبح ، وهذا عكس المعهود من لغة العرب.
والرّعب : الخوف ، يقال : رعبته ، فهو مرعوب ، وأصله من الامتلاء ، يقال : رعبت الحوض ، أي : ملأته وسيل راعب ، أي : ملأ الوادي.
فصل
قيل : هذا الوعد مخصوص بيوم أحد ؛ لأن الآيات المتقدمة إنما وردت في هذه الواقعة. والقائلون بهذا ذكروا في كيفية إلقاء الرعب في قلوب المشركين وجهين :
الأول : أن الكفار لما هزموا المسلمين أوقع الله الرعب في قلوبهم ، فتركوهم ، وفرّوا منهم من غير سبب ، حتى روي أن أبا سفيان صعد الجبل ، وقال : أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فأجابه عمر ، ودارت بينهم كلمات ، وما
__________________
(١) انظر : الشواذ ٢٢ ، والمحرر الوجيز ١ / ٥٢٣ ، والبحر المحيط ٣ / ٨٣ ، والدر المصون ٢ / ٢٣١.
(٢) البيت للفرزدق ينظر ديوانه ٢ / ٢١٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٦٠ ، ٤٦٤ ، ٧ / ٤٧٦ ، ٥٤٦ ، والكتاب ٣ / ٣٦٥ ، ولسان العرب (فمم) ، (فوه) ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٥٨ ، وشرح شواهد الشافية ص ١١٥ ، والدرر ١ / ١٥٦ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٧ ، ٤٨٥ ، وتذكرة النحاة ص ١٤٣ ، وجواهر الأدب ص ٩٥ والمحتسب ٢ / ٢٣٨ ، وأسرار العربية ص ٢٣٥ ، والأشباه والنظائر ١ / ٢١٦ ، وجمهرة اللغة ص ١٣٠٧ ، والخصائص ١ / ١٧٠ ، ٣ / ١٤٧ ، ٢١١ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ٢١٥ ، والمقتضب ٣ / ١٥٨ ، والمقرب ٢ / ١٢٩ والإنصاف ١ / ٣٤٥ والهمع ١ / ٥١ والدر المصون ٢ / ٢٣١.
(٣) انظر : الكشف ١ / ٣٦٠ ، والسبعة ٢١٧ ، والحجة ٣ / ٨٥ ، والعنوان ٨١ ، وحجة القراءات ١٧٦ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٠ ، وشرح شعلة ٣٢٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٧٠ ، وإتحاف ١ / ٤٩٠.