قوله : (بِما أَشْرَكُوا) «ما» مصدرية ، والمعنى : بسبب إشراكهم بالله ، وتقريره : أن الدعاء إنما يصير في محل الإجابة عند الاضطرار ، كقوله : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) [النمل : ٦٢] ومن اعتقد أن لله شريكا لم يحصل له الاضطرار ؛ لأنه يقول : إذا كان هذا المعبود لا ينصرني ، فالآخر ينصرني ، وإذا لم يحصل في قلبه الاضطرار لم تحصل له الأجابة ولا النصرة وإذا لم يحصل ذلك وجب أن يحصل الرعب والخوف في قلبه فثبت أن الشرك بالله يوجب الرعب.
قوله : (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) السّلطان ـ هنا ـ : الحجة والبرهان ، وفي اشتقاقه وجوه :
فقيل : من سليط السراج الذي يوقد به ، شبّه به لإنارته ووضوحه. قاله الزجاج.
وقال ابن دريد : من السلاطة ، وهي الحدّة والقهر.
وقال الليث : السلطان : القدرة ؛ لأن أصل بنائه من التسليط ، فسلطان الملك : قوته وقدرته ، ويسمى البرهان سلطانا ، لقوته على دفع الباطل.
فإن قيل : إن هذا الكلام يوهم أنّ فيه سلطانا إلا أنّ الله ـ تعالى ـ ما أنزله؟
فالجواب : أن تقدير الكلام أنه لو كان لأنزل الله به سلطانا ، فلما لم ينزل به سلطانا وجب عدمه.
وحاصل الكلام فيه ما يقوله المتكلمون : إن هذا لا دليل عليه ، فلم يجز إثباته. وبالغ بعضهم ، فقال : لا دليل عليه ، فيجب نفيه.
فصل
استدلوا بهذه الآية على فساد التقليد ؛ لأن الآية دلّت على أنّ الشّرك لا دليل عليه ، فوجب أن يكون القول به باطلا ، فكذلك كل قول لا دليل عليه.
وقوله : (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) بين تعالى أنّ أحوال المشركين في الدنيا هو وقوع الخوف في قلوبهم وأحوالهم في الآخرة هي أن مأواهم : مسكنهم النار.
قوله : (وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) المخصوص بالذّم محذوف ، أي : مثواهم ، أو النار.
المثوى : مفعل ، من ثويت ـ أي : أقمت ـ فلامه ياء وقدم المأوى ـ وهو المكان الذي يأوي إليه الإنسان ـ على المثوى ـ وهو مكان الإقامة ـ لأن الترتيب الوجوديّ أن يأوي ، ثم يثوي ، ولا يلزم من المأوى الإقامة ، بخلاف عكسه.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ