يعرّج ـ قيل : لن يلوي ، ثم استعمل في ترك التعريج على الشيء وترك الالتفات إليه ، يقال : فلان لا يلوي على كذا أي : لا يلتف إليه ، وأصل «تلون» تلويون ، فأعلّ بحذف اللام ، وقد تقدم في قوله : (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ) وقرأ الأعمش ، وأبو بكر بن عيّاش ـ ورويت عن عاصم (١) «تلوون» بضم التاء ـ من ألوى وهي لغة في لوى.
وقرأ الحسن «تلون» ـ بواو واحدة ـ (٢) وخرجوها على أنه أبدل الواو همزة ، ثم نقل حركة الهمزة على اللام ، ثم حذف الهمزة ، على القاعدة ، فلم يبق من الكلمة إلا الفاء ـ وهي اللام ـ وقال ابن عطية : «وحذفت إحدى الواوين للساكنين ، وكان قد تقدم أن هذه القراءة هي قراءة مركبة على لغة من يهمز الواو ، وينقل الحركة».
وهذا عجيب ، بعد أن يجعلها من باب نقل حركة الهمزة ، كيف يعود ويقول : حذفت إحدى الواوين للساكنين؟ ويمكن تخريج هذه القراءة على وجهين آخرين :
أحدهما : أن يقال : استثقلت الضمة على الواو ؛ لأنها أختها ، فكأنه اجتمع ثلاث واوات ، فنقلت الضمة إلى اللام ، فالتقى ساكنان ـ الواو التي هي عين الكلمة ، والواو التي هي ضمير ـ فحذفت الأولى ؛ لالتقاء الساكنين ، ولو قال ابن عطية هكذا لكان أولى.
الثاني : أن يكون «تلون» مضارع ولي ـ من الولاية ـ وإنما عدّي ب «على» لأنه ضمّن معنى العطف. وقرأ حميد (٣) بن قيس : «على أحد» ـ بضمتين ـ يريد الجبل ، والمعنى : ولا تلوون على من في جبل أحد ، وهو النبي صلىاللهعليهوسلم قال ابن عطية : والقراءة الشهيرة أقوى ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن على الجبل إلا بعد ما فرّ الناس عنه ، وهذه الحال ـ من إصعادهم ـ إنما كانت وهو يدعوهم.
ومعنى الآية : تعرجون ، ولا يلتفت بعض إلى بعض.
قوله : (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ) ، مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال ، العامل فيها «تلوون».
أي : والرسول يدعوكم في أخراكم ومن ورائكم ، يقول : «إليّ عباد الله ؛ فأنا رسول الله ، من يكر فله الجنّة».
ويحتمل أنه كان يدعوكم إلى نفسه ، حتى تجتمعوا عنده ، ولا تتفرقوا. و «أخراهم» آخر الناس كما يقال في أولهم ، ويقال : جاء فلان في أخريات الناس.
قوله : (فَأَثابَكُمْ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه معطوف على «تصعدون» و «تلوون» ، ولا يضر كونهما مضارعين ؛
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٢٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٩٠ ، والدر المصون ٢ / ٢٣٤.
(٢) انظر : القراءة السابقة.
(٣) انظر : القراءة السابقة.