١٣٥٦ ـ فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها (١) |
حيث قال : أبقل ـ وهو مسند لضمير الأرض ـ ولم يقل : أبقلت ، وغيره يخصه بالضرورة.
وقالوا : إذ كان يمكن أن ينقل حركة الهمزة على تاء التأنيث الساكنة ، فيقول : ولا أرض أبقلت أبقالها.
وقد ردّوا عليه بأن الضرورة ليس معناها ذلك ، ولئن سلمنا ذلك فلا نسلّم أن هذا الشاعر كان ممن لغته النقل ، لأن النقل ليس لغة كلّ العرب.
وقرأ مجاهد (٢) ومقاتل : «يقاتل» ـ بالياء من تحت ـ وهي مخرّجة على مذهب ابن كيسان ، ومقوّية له ، قالوا : والذي حسن ذلك كون «فئة» في معنى القوم والناس ، فلذلك عاد الضمير عليها مذكرا.
قوله : (يَرَوْنَهُمْ) ، قرأ نافع (٣) ـ وحده ـ من السبعة ، ويعقوب ، وسهل : «ترونهم» بالخطاب والباقون من السبعة بالغيبة.
فأما قراءة نافع ففيها ثمانية أوجه :
أحدها : أن الضمير في «لكم» والمرفوع في «ترونهم» للمؤمنين ، والضمير المنصوب في «ترونهم» والمجرور في «مثليهم» للكافرين ، والمعنى : قد كان لكم ـ أيها المؤمنون ـ آية في فئتين بأن رأيتم الكفار مثلي أنفسهم في العدد ، وهو أبلغ في القدرة ؛ حيث رأى المؤمنون الكافرين مثلي عدد الكافرين ، ومع ذلك انتصروا عليهم وغلبوهم ، وأوقعوا بهم الأفاعيل ، ونحوه قوله تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ٢٤٩].
واستبعد بعضهم هذا التأويل ؛ لقوله تعالى ـ في الأنفال [الآية : ٤٤] ـ : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً ،) فالقصة واحدة ، وهناك تدل الآية على أن الله ـ تعالى ـ قلّل المشركين في أعين المؤمنين ؛ لئلا يجبنوا عنهم ، وعلى هذا التأويل ـ المذكور ههنا ـ يكون قد كثرهم في أعينهم. ويمكن أن يجاب باختلاف الحالين ؛ وذلك أنه في وقت أراهم [إياهم](٤) مثلي عددهم ؛ ليمتحنهم ويبتليهم ، ثم قلّلهم في أعينهم ؛ ليقدموا عليهم ، فالآيتان باعتبارين ، ومثله قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ)
__________________
(١) تقدم برقم ٣٠٤.
(٢) انظر : البحر المحيط ٢ / ٤١١ ، والدر المصون ٢ / ٢٧.
(٣) انظر : السبعة ٢٠١ ، والكشف ١ / ٣٤٦ ، والحجة ٢ / ١٧ ، والعنوان ٧٨ وإعراب القراءات ١ / ١٠٨ ، وحجة القراءات ١٥٤ ، وشرح شعلة ٣٠٨ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٤٦ ، وإتحاف ١ / ٤٧٠.
(٤) سقط في أ.