فصل في بيان كيفية النظم
في كيفية النّظم وجهان :
أحدهما : أنه لما وعد المؤمنين بالنصر ، فالنصر لا بدّ وأن يسبق بإزالة الخوف عنهم ؛ ليصير ذلك كالدلالة على أنه تعالى منجز وعده في نصر المؤمنين.
الثاني : أنه ـ تعالى ـ بيّن نصر المؤمنين ـ أولا ـ فلما عصى بعضهم سلط عليهم الخوف.
ثم ذكر أنه أزال ذلك الخوف عن قلوب من كان صادقا في إيمانه ، مستقرّا على دينه بحيث غلب النعاس عليه.
واعلم أن الذين كانوا مع رسول الله يوم أحد فريقان :
أحدهما : الجازمون بنبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم فهؤلاء كانوا قاطعين بأنّ الله ينصر هذا الدين ، وأن هذه الواقعة لا تؤدي إلى الاستئصال ، فلا جرم كانوا مؤمنين ، وبلغ ذلك الأمن إلى حيث غشيهم النّعاس فإن النوم لا يجيء مع الخوف ، فقال ـ هاهنا ـ في قصة أحد : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) وقال في قصة بدر : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) [الأنفال : ١١].
وأما الفريق الثّاني فهم المنافقون ، فكانوا شاكّين في نبوته صلىاللهعليهوسلم وما حضروا إلا لطلب الغنيمة ، فهؤلاء اشتد جزعهم ، وعظم خوفهم.
فإن قيل : لم قدم ذكر الأمنة على النّعاس في قصة أحد ، وأخرها في قصة بدر؟
فالجواب : أنه لما وعدهم بالنصر ، فالأمن وزوال الخوف إشارة ودليل على إنجاز الوعد.
قوله : (يَغْشى) قراءة حمزة والكسائي بالتاء من فوق ، والباقون بالياء (١) ؛ ردّا إلى النّعاس ، وخرّجوا قراءة حمزة والكسائي على أنها صفة ل «أمنة» ؛ مراعاة لها ، ولا بدّ من تفصيل ، وهو إن أعربوا «نعاسا» بدلا ، أو عطف بيان ، أشكل قولهم من وجهين :
الأول : أن النّحاة نصّوا على أنه إذا اجتمع الصفة والبدل ، أو عطف البيان ، قدّمت الصفة ، وأخر غيرها ، وهنا قد قدّموا البدل ، أو عطف البيان عليها.
الثاني : أن المعروف في لغة العرب أن يحدّث عن البدل ، لا عن المبدل منه ، تقول : هند حسنها فاتن ، ولا يجوز فاتنة ـ إلا قليلا ـ فجعلهم «نعاسا» بدلا من «أمنة» يضعف لهذا.
فإن قيل : قد جاء مراعاة المبدل منه في قول الشاعر : [الكامل]
__________________
(١) انظر : السبعة ٢١٧ ، والحجة ٣ / ٨٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٢٠ ، ١٢١ ، والعنوان ٨١ ، وحجة القراءات ١٧٦ ، وشرح شعلة ٣٢٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٦٩ ، وإتحاف ١ / ٤٩١.