الاحتمال الثاني : أن ذلك الظنّ هو أنهم كانوا ينكرون إله العالم ، وينكرون النبوة والبعث ـ فلا جرم ـ ما وثقوا بقول النبي صلىاللهعليهوسلم في أنّ الله تعالى يقوّيهم وينصرهم.
وقيل : ظنوا أن محمدا قد قتل. و (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) بدل من قوله : (غَيْرَ الْحَقِ) وفائدة هذا الترتيب أنّ غير الحقّ أديان كثيرة ، وأقبحها مقالة أهل الجاهلية ، فذكر أنهم يظنون بالله غير الحق ثم بيّن أنهم اختاروا من أقسام الأديان التي هي غير حقّة أقبحها وأكثرها بطلانا ، وهو ظنّ أهل الجاهلية.
قوله : (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) «من» ـ في (مِنْ شَيْءٍ) ـ زائدة في المبتدأ ، وفي الخبر وجهان :
أحدهما ـ وهو الأصحّ ـ : أنه «لنا» فيكون (مِنَ الْأَمْرِ) في محل نصب على الحال من «شيء» لأنه نعت نكرة ، قدم عليها ، فنصب حالا ، وتعلق بمحذوف.
الثاني : ـ أجازه أبو البقاء ـ أن يكون (مِنَ الْأَمْرِ) هو الخبر ، و «لنا» تبيين ، وبه تتم الفائدة كقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤].
وهذا ليس بشيء ؛ لأنه إذا جعله للتبيين فحينئذ يتعلق بمحذوف ، وإذا كان كذلك فيصير «لنا» من جملة أخرى ، فتبقى الجملة من المبتدأ والخبر غير مستقلة بالفائدة ، وليس نظيرا لقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) فإن «له» فيها متعلق بنفس «كفوا» لا بمحذوف ، وهو نظير قولك : لم يكن أحد قاتلا لبكر. ف «لبكر» متعلق بنفس الخبر.
وهل هنا الاستفهام على حقيقته ، أم لا؟ فيه وجهان :
أظهرهما : نعم ، ويعنون بالأمر : النصر والغلبة.
والثاني : أنه بمعنى النفي ، كأنهم قالوا : ليس لنا من الأمر ـ أي النصر ـ شيء ، وإليه ذهب قتادة وابن جريج.
ولكن يضعف هذا بقوله : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) فإن من نفى عن نفسه شيئا لا يجاب بأنه ثبت لغيره ؛ لأنه يقرّ بذلك ، اللهم إلّا أن يقدر جملة أخرى ثبوتية مع هذه الجملة ، فكأنّهم قالوا : ليس لنا من الأمر شيء ، بل لمن أكرهنا على الخروج وحملنا عليه ، فحينئذ يحسن الجواب بقوله : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) لقولهم هذا ، وهذه الجملة الجوابية اعتراض بين الجمل التي جاءت بعد قوله : «وطائفة» فإن قوله : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) وكذا (يَقُولُونَ) ـ الثانية ـ إما خبر عن «طائفة» أو حال مما قبلها.
فصل
اعلم أنّ قوله : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) حكاية للشبهة التي تمسّك بها المنافقون ، وهي تحتمل وجوها :
الأول : أنّ عبد الله بن أبيّ لما شاوره النبيّ صلىاللهعليهوسلم في هذه الواقعة أشار عليه بأن لا