يخرج من المدينة ، ثمّ إنّ الصحابة ألحّوا على النبي صلىاللهعليهوسلم في أن يخرج إليهم ، فغضب عبد الله بن أبي من ذلك ، فقال : عصاني وأطاع الولدان ، فلما كثر القتل في بني الخزرج ، ورجع عبد الله بن أبي قيل له : قتل بنو الخزرج!! فقال : «هل لنا من الأمر من شيء»؟
يعني : أن محمدا لم يقبل قولي حين أمرته بأن لا يخرج من «المدينة».
والمعنى : هل لنا أمر يطاع؟ وهو استفهام على سبيل الإنكار.
الثاني : ما تقدم في الإعراب أنّ معناه النفي ، أي : هل لنا من الشيء الذي كان يعدنا به محمد صلىاللهعليهوسلم وهو النصر والقوة ـ شيء؟ وهذا استفهام على سبيل الإنكار.
الثالث : أن التقدير : أنطمع أن تكون لنا الغلبة على هؤلاء؟ ويكون المراد منه الطعن في نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ويحتمل أن يكون قائله من المؤمنين ، ويكون المراد منه إظهار الشّفقة ، أنه متى يكون الفرج والنّصرة؟ وهو المراد ـ أيضا ـ بقوله : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ).
وقوله : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) قرأ أبو عمرو «كلّه» ـ رفعا (١) ـ وفيه وجهان :
الأول : ـ وهو الأشهر ـ أنه رفع بالابتداء ، و «لله» خبره والجملة خبر «إنّ» نحو : إن مال زيد كله عنده.
الثاني : أنه توكيد على المحل ، فإن اسمها ـ في الأصل ـ مرفوع بالابتداء ، وهذا مذهب الزّجّاج والجرمي ، يجرون التوابع كلّها مجرى عطف النسق ، فيكون «لله» خبرا ل «إنّ» أيضا.
وقرأ الباقون بالنصب ، فيكون تأكيدا لاسم «إنّ» وحكى مكي (٢) عن الأخفش أنه بدل منه ـ وليس بواضح ـ و «لله» خبر «إنّ».
وقيل على النعت ؛ لأنّ لفظة «كلّ» للتأكيد ، فكانت كلفظة «أجمع».
فصل
هذه الآية تدل على أن جميع المحدثات خلق لله تعالى بقضائه وقدره ؛ لأن المنافقين قالوا : إن محمدا لو قبل منّا رأينا ونصحنا ، لما وقع في هذه المحنة ، فأجابهم الله تعالى بأن لأمر كلّه لله ، وهذا [الجواب](٣) إنما ينتظم إذا كانت أفعال العباد بقضاء الله وقدره ؛ إذ لو كانت خارجة عن مشيئته لم يكن هذا الجواب دافعا لشبهة المنافقين.
قوله : (يُخْفُونَ) إما خبر ل (طائِفَةً) وإما حال مما قبله ـ كما تقدم ـ وقوله : (يَقُولُونَ)
__________________
(١) انظر : السبعة ٢١٧ ، والحجة ٣ / ٩٠ ، وحجة القراءات ١٧٧ ، والعنوان ٨١ وإعراب القراءات السبع ١ / ١٢١ ، وشرح شعلة ٣٢٤ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٦٩ ، وإتحاف ١ / ٤٩١.
(٢) انظر السابق.
(٣) سقط في أ.