[الرحمن : ٣٩] ، وقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٩٢] وقوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) مع قوله : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) [المرسلات : ٣٥].
قال الفرّاء (١) : المراد بالتقليل : التهوين ، كقولك ـ في الكلام (٢) ـ إني لأرى كثيركم قليلا ، أي : قد هوّن عليّ ، [لا أني أرى الثلاثة اثنين](٣).
الثاني : أن يكون الخطاب في «ترونهم» للمؤمنين ـ أيضا ـ والضمير المنصوب في «ترونهم» للكافرين ـ أيضا ـ والضمير المجرور في «مثليهم» للمؤمنين ، والمعنى : ترون أيّها المؤمنون الكافرين مثلي عدد أنفسكم ، وهذا تقليل للكافرين عند المؤمنين في رأي العين ؛ وذلك أن الكفار كانوا ألفا ونيّفا ، والمسلمون على الثلث منهم ، فأراهم إياهم مثليهم ، على ما قرر عليهم ـ في مقاومة الواحد للاثنين ـ في قوله تعالى : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) [الأنفال : ٦٦] بعد ما كلّفوا أن يقاوم كلّ واحد عشرة في قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٦٩].
قال الزمخشريّ ـ رحمهالله ـ «وقراءة نافع لا تساعد عليه» ، يعني على هذا التأويل المذكور ولم يبين وجه عدم المساعدة ، ووجهه ـ والله أعلم ـ أنه كان ينبغي أن يكون التركيب : ترونهم مثليكم ـ بالخطاب في «مثليهم» لا بالغيبة.
قال أبو عبد الله الفارسيّ ـ بعد الذي ذكره الزمخشريّ ـ : «قلت : بل يساعد عليه ، إن كان الخطاب في الآية للمسلمين ، وقد قيل ذلك» ا ه ، فلم يأت أبو عبد الله بجواب ؛ إذ الإشكال باق. وقد أجاب بعضهم عن ذلك بجوابين :
أحدهما : أنه من باب الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، وأنّ حقّ الكلام : مثليكم ـ بالخطاب ـ إلا أنه التفت إلى الغيبة ، ونظّره بقوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢].
والثاني : أن الضمير في «مثليهم» وإن كان المراد به المؤمنين إلا أنه عاد على قوله : (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ،) والفئة المقاتلة في سبيل الله عبارة عن المؤمنين المخاطبين.
والمعنى : ترون ـ أيها المؤمنون ـ الفئة الكافرة مثلي الفئة المقاتلة في سبيل الله ، [فكأنه](٤) قيل : ترونهم ـ أيها المؤمنون ـ مثليكم ، وهو جواب حسن.
فإن قيل : كيف يرونهم مثليهم رأي العين ، وقد كانوا ثلاثة أمثالهم؟
فالجواب : أن الله ـ تعالى ـ إنما أظهر للمسلمين من عدد المشركين القدر الذي
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن ١ / ١٩٥.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : ليس بقليل العدد في شيء.
(٤) في ب : فإن.