علم المسلمون (١) أنهم يغلبونهم ؛ وذلك لأنه ـ تعالى ـ قال : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) فأظهر ذلك العدد [من المشركين](٢) للمؤمنين ؛ تقوية لقلوبهم ، وإزالة للخوف عن صدورهم.
الثالث : أن يكون الخطاب في «لكم» في «ترونهم» للكفار وهم قريش ، والضمير المنصوب والمجرور للمؤمنين أي : قد كان لكم ـ أيها المشركون ـ آية ؛ حيث ترون المسلمين مثلي أنفسهم في العدد ، فيكون قد كثرهم في أعين الكفار ، ليجبنوا عنهم ، فيعود السؤال المذكور بين هذه الآية ، وآية الأنفال ، وهي قوله تعالى : (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال : ٤٤] ، فكيف يقال ـ هنا ـ إنه يكثرهم؟ فيعود الجواب المتقدم باختلاف الحالتين ، وهو أنه قللهم أولا ، ليجترىء عليهم الكفار ، فلما التقى الجمعان كثرهم في أعينهم ؛ ليحصل لهم الخور والفشل.
الرابع : كالثالث ، إلا أن الضمير في «مثليهم» يعود على المشركين ، فيعود ذلك السؤال ، وهو أنه كان ينبغي أن يقال : مثليكم ، ليطابق الكلام ، فيعود الجوابان.
وهما : إما الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، وإما عوده على الفئة الكافرة ؛ لأنها عبارة عن المشركين ، كما كان ذلك الضمير عبارة عن الفئة المقاتلة ، ويكون التقدير : ترون ـ أيها المشركون ـ المؤمنين مثلي فئتكم الكافرة. وعلى هذا فيكونون قد رأوا المؤمنين مثلي أنفس المشركين ـ ألفين ونيفا ـ وهذا مدد من الله تعالى ، حيث أرى الكفار المؤمنين مثلي عدد المشركين ، حتى فشلوا ، وجبنوا ، فطمع المسلمون فيهم ، فانتصروا عليهم ، ويؤيده قوله تعالى : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) [آل عمران : ١٣] الإرادة ـ هنا ـ بمنزلة المدد بالملائكة في النصرة بكليهما ، ويعود السؤال ، وهو كيف كثرهم إلى هذه الغاية مع قوله ـ في الأنفال ـ : (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ)؟ ويعود الجواب.
الخامس : أن الخطاب في «لكم» و «ترونهم» لليهود ، والضميران ـ المنصوب والمجرور ـ على هذا عائدان على المسلمين ، على معنى : ترونهم ـ لو رأيتموهم ـ مثليهم ، وفي هذا التقدير تكلّف لا حاجة إليه.
وكأن هذا القائل اختار أن يكون الخطاب في الآية المتقدمة ـ وهي قوله : (إِنَّ الَّذِينَ)(٣) (كَفَرُوا) ـ (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) ـ لليهود ، فجعله في «ترونهم» لهم ـ أيضا ـ ولكن الخروج من خطاب اليهود إلى خطاب قوم آخرين أولى من هذا التقدير المتكلف ؛ لأن اليهود لم يكونوا حاضري الوقعة ، حتى يخاطبوا برؤيتهم لهم كذلك ، ويجوز ـ على هذا القول ـ أن يكون الضمير ـ المنصوب والمجرور ـ عائدين على الكفار ، أي : أنهم كثّر في أعينهم الكفار ، حتى صاروا مثلي عدد المؤمنين (٣) ، ومع ذلك غلبهم المؤمنون ، وانتصروا
__________________
(١) في أ : المؤمنون.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : الكفار.