الفئة : الجماعة ، والمراد بالفئة التي تقاتل في سبيل الله ـ أي : في طاعته ـ رسول صلىاللهعليهوسلم وأصحابه يوم بدر ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، سبعة وسبعين رجلا من المهاجرين ، ومائتين وستة وثلاثين من الأنصار ، وصاحب راية المهاجرين عليّ بن أبي طالب ، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة ، وكان فيهم سبعون بعيرا ، بين كل أربعة منهم بعير ، وفرسان : فرس للمقداد بن عمرو ، وفرس لمرثد بن أبي مرثد ، وأكثرهم رجّالة ، وكان معهم من الدروع ستة ، وثمانية سيوف ، والمراد بالأخرى الكافرة مشركو مكة ، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا من المقاتلة ، رأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وفيهم مائة فرس ، وكان فيهم أبو سفيان وأبو جهل ، وكان معهم من الإبل سبعمائة بعير ، وأهل الخيل كلّهم كانوا دارعين وهم مائة نفر ، وكان في الرجال دروع سوى ذلك.
فصل
ذكر العلماء في كون هذه الواقعة آية وجوها :
أحدها : أن المسلمين كانوا قد اجتمع فيهم من أسباب الضعف أمور ، منها : قلّة العدد.
ومنها : أنهم خرجوا غير قاصدين للحرب فلم يتأهبوا.
ومنها : قلّة السلاح والخيل.
ومنها : أن ذلك أول غزواتهم ، وكان قد حصل للمشركين أضداد هذه المعاني من كثرة العدد ، وأنهم خرجوا متأهبين للمحاربة ، وأنهم كانوا معتادين للحروب في الأزمنة الماضية ، وإذ كان الأمر كذلك فكان غلب هؤلاء الضعفاء خارجا عن العادة ، فيكون معجزا.
وثانيها : أنه ـ عليهالسلام ـ كان قد أخبر قومه بأن الله ينصره على قريش ، بقوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) [الأنفال : ٧] ، يعني جمع قريش ، وكان قد أخبر ـ قبل الحرب ـ بأن هذا مصرع فلان ، فلما وجد مخبر خبره في المستقبل على وفق خبره ، كان ذلك إخبارا عن الغيب ؛ فكان معجزا.
وثالثها : قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) ، والصحيح أن الرائين هم المشركون ، والمرئيين هم المؤمنون ، وعلى كلا التقديرين يكون معجزا.
ورابعها : قال الحسن : إن الله ـ تعالى ـ أمد رسوله في تلك الغزوة بخمسة آلاف من الملائكة ، لقوله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال : ٩] ، وقال : (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران : ١٢٥] قيل : إنه كان على أذناب خيولهم ونواصيهم صوف أبيض ، وهو المراد من قوله : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ).