ثم قال الزمخشريّ : «فإن قلت : هلّا زعمت أنها حركة التقاء الساكنين؟
قلت : لأن التقاء الساكنين لا يبالى به في باب الوقف ، وذلك قولك : هذا إبراهيم ، وداود ، وإسحاق ، ولو كان التقاء الساكنين ـ في حال الوقف ـ يوجب التحريك لحرّك الميمان في ألف لام ميم ؛ لالتقاء الساكنين ، ولما انتظر ساكن آخر».
قال أبو حيّان : «وهو سؤال صحيح وجواب صحيح لكن الذي قال : إن الحركة هي لالتقاء الساكنين لا يتوهم أنه أراد التقاء الياء والميم من «الم» ـ في الوقف ـ وإنما عنى التقاء الساكنين اللذين هما ميم «ميم» الأخيرة ، ولام التعريف كالتقاء نون «من» ولام «الرجل» إذا قلت من الرّجل».
وهذا الوجه هو الذي تقدّم عن مكي (١) وغيره.
ثم قال الزمخشريّ : «فإن قلت : إنما لم يحركوا لالتقاء الساكنين في «ميم» لأنهم أرادوا الوقف وأمكنهم النطق بساكنين ، فإذا جاء ساكن ثالث لم يمكن إلا التحريك فحركوا.
قلت : الدليل على أن الحركة ليست لملاقاة الساكن ، أنه كان يمكنهم أن يقولوا : واحد. اثنان ـ بسكون الدال مع طرح الهمزة ـ فيجمعوا بين ساكنين ؛ كما قالوا : اصيمّ ومديقّ (٢) ، فلما حركوا الدال علم أن حركتها هي حركة الهمزة الساقطة لا غير ، وأنها ليست لالتقاء الساكنين».
[قال أبو حيّان (٣) : «وفي سؤاله تعمية في قوله : فإن قلت : إنما لم يحركوا لالتقاء الساكنين](٤) ـ ويعني بالساكنين الياء والميم في «ميم» ـ وحينئذ يجيء التعليل بقوله : لأنهم أرادوا الوقف وأمكنهم النطق بساكنين ـ يعني الياء والميم ـ ثم قال : فإن جاء بساكن ثالث ـ يعني لام التعريف ـ لم يمكن إلا التحريك ـ يعني في الميم ـ فحركوا ـ يعني الميم ـ ؛ لالتقائها ساكنة مع لام التعريف ؛ إذ لو لم يحركوا لاجتمع ثلاث سواكن ، وهو لا يمكن ، هذا شرح السؤال ، وأما جواب الزمخشري فلا يطابق ؛ لأنه استدل على أن الحركة ليست لملاقاة ساكن بإمكانية الجمع بين ساكنين في قولهم : واحد ، اثنان ـ بأن يسكنوا الدال والثاء ساكنة ، وتسقط الهمزة ، فعدلوا عن هذا الإسكان إلى نقل حركة الهمزة إلى الدال ـ وهذه مكابرة في المحسوس ؛ إذ لا يمكن ذلك أصلا ، ولا هو في قدرة البشر أن يجمعوا في النطق بين سكون الدال وسكون الثاء وطرح الهمزة ، وأما قوله فجمعوا بين ساكنين ، فلا يمكن الجمع ؛ لما قلناه ، وأما قوله : كما قالوا : أصيمّ ومديقّ فهذا ممكن كما هو في راد وضالّ ؛ لأن في ذلك التقاء الساكنين على حدهما المشروط
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ١٢٣.
(٢) ينظر : الكتاب ٢ / ١٠٧.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٩١.
(٤) سقط في ب.