وقيل : لمن أبصر الجمعين.
قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)(١٤)
والعامة على بناء «زيّن» للمفعول ، والفاعل المحذوف هو الله تعالى ؛ لما ركب في طباع البشر من حب هذه الأشياء ، وقيل : هو الشيطان ، فالأوّل قول أهل السنة ؛ قالوا : لو كان المزين هو الشيطان فمن ذا الذي زيّن الكفر والبدعة للشيطان؟ فإن كان ذلك شيطانا آخر لزم التسلسل ، وإن وقع ذلك من نفس ذلك الشيطان في الإنسان فليكن في الإنسان كذلك ، وإن كان من الله وهو الحق ـ فليكن في حقّ الإنسان أيضا كذلك ، ويؤيده قوله تعالى : (هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) [القصص : ٦٣] يعني إن اعتقد أحد أنّا أغويناهم ، فمن الذي أغوانا؟ وهذا ظاهر جدا ، وقال تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) [الكهف : ٧] ونقل عن المعتزلة ثلاثة أقوال :
أحدها : أن الشيطان زيّن لهم ، حكي عن الحسن أنه [كان](١) ـ يحلف بالله على ذلك ـ ويقول : من زينها؟ إنما زيّنها الشيطان ؛ لأنه لا أحد أبغض لها من خالقها.
احتج لهم القاضي بوجوه :
الأول : أنه تعالى أطلق حبّ الشهوات ، فيدخل فيه حبّ الشهوات المحرمة ، ومزين الشهوات المحرمة هو الشيطان.
الثاني : أنه ـ تعالى ـ ذكر القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، وحبّ هذا المال الكثير لا يليق إلا بمن جعل الدنيا قبلة طلبه ، ومنتهى مقصوده ؛ لأن أهل الآخرة يكتفون بالبلغة.
الثالث : قوله تعالى : (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا ،) فذكره في معرض ذمّ الدنيا ، والذامّ للشيء لا يزينه.
الرابع : قوله : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) والمقصود من هذا الكلام صرف العبد عن الدنيا وتقبيحها له ، وذلك لا يليق بمن يزيّن الدنيا في عينه.
القول الثاني : أن المزين هو الله تعالى ، واحتجوا عليه بوجوه :
أحدها : أنه تعالى كما رغّب في منافع الآخرة فقد خلق ملاذّ الدنيا ، وأباحها لعبيده ؛ فإنه إذا خلق الشهوة والمشتهى ، وخلق للمشتهى علما بما في تناول المشتهى من اللذة ، ثم أباح له ذلك التناول ؛ يقال : إنه زيّنها له.
__________________
(١) في ب : قال.