إذا تعلقت بمحذوف ، وقد قامت مقامه ـ صار فيها ضمير مقدر مرفوع ، واحتاجت إلى ابتداء يعود عليه ذلك الضمير ، كقولك : لزيد مال ، في الدار زيد ، خلفك عمرو ، فلا بد من رفع «جنّات» ، إذا تعلقت اللام بمحذوف ، ولو تعلقت بمحذوف على أن لا ضمير فيها لرفعت «جنّات» بفعلها ، وهو مذهب الأخفش في رفعه ما بعد الظروف وحروف الخفض بالاستقرار ، وإنما يحسن ذلك عند حذاق النحويين إذا كانت الظروف ، أو حروف الخفض صفة لما قبلها ، فحينئذ يتمكن ويحسن رفع الاسم بالاستقرار ، وقد شرحنا ذلك وبيناه في أمثلة ؛ وكذلك إذا كانت أحوالا».
فقد جوّز تعلّق هذه اللام ب «أؤنبّئكم» أو بمحذوف على أنها صفة لخير ، بشرط أن يجرّ لفظ «جنات» على البدل من «خير» وظاهره أنه لا يجوز ذلك مع رفع «جنّات» وعلّل ذلك بأن حروف الجر تتعلق بمحذوف ، يحمل الضمير ، فوجب أن يؤتى له بمبتدأ هو «جنّات» وهذا الذي قاله من هذه الحيثية لا يلزم ؛ إذ لقائل أن يقول : أجوز تعلق اللام بما ذكرت من الوجهين مع رفع «جنّات» على أنها خبر مبتدأ محذوف ، لا على الابتداء حتى يلزم ما ذكرت ولكن الوجهين ضعيفان من جهة أخرى ، وهو أن المعنى ليس واضحا بما ذكر مع أنّ جعله صفة لخير أقوى من جعلها متعلقة ب «أؤنبّئكم» ؛ إذ لا معنى له ، وقوله ـ في الظروف وحروف الجر ـ : إنها عند الحذاق إنما ترفع الفاعل إذا كانت صفات .. وكذلك إن كانت أحوالا ـ فيه قصور ؛ لأن هذا الحكم مستقر لها في مواضع :
منها : الموضعان اللذان ذكرهما.
وثالثها : أن يقعا صلة.
ورابعها : أن يقعا خبرا لمبتدأ.
وخامسها : أن تعتمد على نفي.
وسادسها : أن تعتمد على استفهام. وقد تقدم تحرير هذا.
فصل
قد بيّنا في قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] معنى التقوى ، وبالجملة فإن المتقي هو الآتي بالواجبات ، المحترز عن المحظورات.
وقيل : التقوى عبارة عن اتقاء الشرك ؛ لأن التقوى ـ في عرف القرآن ـ مختصة بالإيمان. قال تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) [الفتح : ٢٦] ، وظاهر اللفظ يطابق الامتنان بحقيقة التقوى ، وهي حاصلة عند حصول اتقاء الشرك وعرف القرآن مطابق لذلك ، فوجب حمله على من اتقى الكفر.
قوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) فيه أربعة أوجه :