ثم قال : «والله بصير بالعباد» ، أي : عالم بمصالحهم ، فيجب أن يرضوا لأنفسهم ما اختاره لهم.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَقُولُونَ) يحتمل أن يكون محلّه الرفع ، والنصب ، والجرّ ، فالرفع من وجهين :
أحدهما : أنه مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : الذين يقولون كذا مستجاب لهم ، أو لهم ذلك الجزاء المذكور.
الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قيل : من هم هؤلاء المتقون؟ فقيل : الذين يقولون كيت ، وكيت.
والنصب من وجه واحد ، وهو النصب بإضمار أعني ، أو أمدح ، وهو نظير الرفع على خبر ابتداء مضمر ، ويسمّيان : الرفع على القطع ، والنصب على القطع.
والجر من وجهين :
أحدهما : النعت.
والثاني : البدل ، ثم لك ـ في جعله نعتا أو بدلا ـ وجهان :
أحدهما : جعله نعتا للّذين اتّقوا ، أو بدلا منه.
والثاني : جعله نعتا للعباد ، أو بدلا منهم.
واستضعف أبو البقاء جعله نعتا للعباد ، قال : [ويضعف أن يكون صفة للعباد](١) ؛ لأن فيه تخصيصا لعلم الله ، وهو جائز ـ على ضعفه ـ ويكون الوجه فيه إعلامهم بأنه عالم بمقدار مشقتهم في العبادة ، فهو يجازيهم عليها ، كما قال : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) [النساء : ٢٥].
والجملة من قوله : (وَاللهُ بَصِيرٌ) يجوز أن تكون معترضة ، لا محل لها ، إذا جعلت (الَّذِينَ يَقُولُونَ) تابعا ل «الذين اتقوا» ـ نعتا أو بدلا ـ ، وإن جعلنه مرفوعا ، أو منصوبا فلا.
فصل
اعلم أن قولهم (رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) يدل على أنهم توسّلوا بمجرد الإيمان إلى طلب المغفرة ، والله ـ تعالى ـ مدحهم بذلك ، وأثنى عليهم ، فدلّ هذا على أن العبد ـ بمجرد الإيمان ـ يستوجب الرحمة والمغفرة من الله تعالى ، ويؤيّد هذا قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) [آل عمران : ١٩٣].
__________________
(١) سقط في ب.