فإن قيل : أليس أنه تعالى اعتبر جملة الطاعات في حصول المغفرة ؛ حيث أتبع هذه الآية بقوله : (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ)؟
فالجواب : أن هذه الآية تؤكد ما قلنا ؛ لأنه ـ تعالى ـ جعل مجرد الإيمان وسيلة إلى طلب المغفرة ، ثم ذكر بعده صفات المطيعين ، وهي كونهم صابرين صادقين ، ولو كانت هذه الصفات شرائط للحصول على المغفرة لكان ذكرها قبل طلب المغفرة أولى ، فلما رتّب طلب المغفرة على مجرد الإيمان ، ثم ذكر بعده هذه الصفات ، علمنا أن هذه الصفات غير معتبرة في حصول أصل المغفرة ، وإنما هي معتبرة في حصول كمال الدرجات.
قوله تعالى : (الصَّابِرِينَ) إن قدرت «الذين يقولون» منصوب المحل ، أو مجروره ـ على ما تقدم ـ كان «الصّابرين» نعتا له ـ على كلا التقديرين ، فيجوز أن يكون في محل نصب ، وأن يكون في محل جر ، وإن قدرته مرفوع المحل تعين نصب «الصّابرين» بإضمار «أعني».
فصل
المراد بالصابرين في أداء المأمورات ، وترك المحظورات ، وعلى البأساء ، والضراء وحين البأس ، والصادقين في إيمانهم.
قال قتادة : «هم قوم صدقت نيّاتهم ، واستقامت قلوبهم وألسنتهم ، فصدقوا في السر والعلانية».
فالصدق يجري على القول والفعل والنية ، فالصدق في القول مشهور ـ وهو تجنّب الكذب ـ والصدق في الفعل الإتيان به تاما ، يقال : صدق فلان في القتال ، وصدق في الحكمة ، والصدق في النية العزم الجازم حتى يبلغ الفعل.
«القانتين» المطيعين ، المصلّين ، والقنوت : عبارة عن الدوام على الطاعة والمواظبة عليها ، «والمنفقين» أموالهم في طاعة الله ، ويدخل فيه إنفاق المرء على نفسه ، وأهله ، وأقاربه ، وصلة رحمه ، وفي الزكاة ، والجهاد ، وسائر وجوه البر.
(وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ).
قال مجاهد وقتادة والكلبيّ : يعني المصلين بالأسحار (١).
وعن زيد بن أسلم : هم الذين يصلون الصبح في جماعة (٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٦٥) عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٦٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٠) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم.