والسّحر ـ بسكون الحاء ـ منتهى قصبة الرّكبة ، ومنه قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ : «مات بين سحري ونحري» (١) سمّي بذلك لخفائه.
و «سحر» فيه كلام كثير بالنسبة إلى الصرف وعدمه ، والتصرف وعدمه ، والإعراب وعدمه ، يأتي تفصيله ـ إن شاء الله تعالى ـ.
فإن قيل : كيف دخلت الواو على هذه الصفات ، وكلّها لقبيل واحد؟ ففيه جوابان :
أحدهما : أن الصفات إذا تكرّرت جاز أن يعطف بعضها على بعض بالواو ـ وإن كان الموصوف بها واحدا ـ ، ودخول الواو ـ في مثل هذا ـ تفخيم ؛ لأنه يؤذن بأن كل صفة مستقلة بالمدح.
الثاني : أن هذه الصفات متفرقة فيهم ، فبعضهم صابر ، وبعضهم صادق ، فالموصوف بها متعدّد. هذا كلام أبي البقاء.
وقال الزمخشريّ : «الواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كمالهم في كل واحدة منها».
قال أبو حيّان : «ولا نعلم أن العطف في الصفة بالواو يدل على الكمال».
قال شهاب الدين (٢) : «قد علمه علماء البيان ، وتقدم تحقيقه في أول سورة البقرة ، وما أنشدته على ذلك من لسان العرب».
والباء في قوله : «بالأسحار» بمعنى «في».
قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١٨)
العامة على «شهد» فعلا ماضيا ، مبنيّا للفاعل ، ولفظ الجلالة رفع به.
وقرأ أبو الشعثاء (٣) : «شهد» مبنيّا للمفعول ، ولفظ الجلالة قائم مقام الفاعل ، وعلى هذه القراءة يكون (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في محل رفع ؛ بدلا من اسم «الله» ـ بدل اشتمال ، تقديره : شهد وحدانية الله ـ تعالى ـ وألوهيته.
ولما كان المعنى على هذه القراءة كذلك أشكل عطف الملائكة ، وأولي العلم على لفظ الجلالة ، فخرّج ذلك على عدم العطف ، بل إما على الابتداء ، والخبر محذوف ؛ لدلالة الكلام عليه ، تقديره : والملائكة ، وأولو العلم يشهدون بذلك ، يدل عليه قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ) ، وإما على الفاعلية بإضمار محذوف ، تقديره : وشهد الملائكة ،
__________________
(١) أخرجه البخاري (٦ / ٣٣) كتاب المغازي باب مرض النبي صلىاللهعليهوسلم ووفاته (٤٤٤٥).
(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٤٠.
(٣) ينظر الشواذ ١٩ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٢٠ ، والدر المصون ٢ / ٤٠.