وقال أبو حيّان ـ أيضا ـ : «وقال ابن عيسى وغيره : اللام متعلّقة بالكون ، أي : لا تكونوا كهؤلاء ، ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم دونكم ، ومنه أخذ الزمخشريّ قوله ، لكن ابن عيسى نصّ على ما تتعلق به اللام ، وذاك لم ينص. وقد بينّا فساد هذا القول».
وقوله : وذاك لم ينص ، بل قد نصّ ؛ فإنه قال : فإن قلت : ما متعلق (لِيَجْعَلَ)؟ قلت : (قالُوا) أو (لا تَكُونُوا). وأيّ نصّ أظهر من هذا؟ ولا يجوز تعلق هذه اللام ـ ومعناها التعليل ـ ب (قالُوا) لفساد المعنى ؛ لأنهم لم يقولوه لذلك ، بل لتثبيط المؤمنين عن الجهاد.
وعلى القول الثاني ـ أعني : كونها للعاقبة ـ تتعلق ب (قالُوا) والمعنى : أنهم قالوا ذلك لغرض من أغراضهم ، فكان عاقبة قولهم ، ومصيره إلى الحسرة ، والندامة ، كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] وهم لم يلتقطوه لذلك ، ولكن كان مآله لذلك. ولكن كونها للصيرورة لم يعرفه أكثر النحويين ، وإنما هو شيء ينسبونه للأخفش ، وما ورد من ذلك يؤولونه على العكس من الكلام ، نحو : (فَبَشِّرْهُمْ.) وهذا رأي الزمخشري ؛ فإنه شبه هذه اللام باللام في (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) ومذهبه في تلك أنها للعلة ـ بالتأويل المذكور والجعل ـ هنا ـ بمعنى التّصيير.
فصل
اختلفوا في المشار إليه ب «ذلك» : فعن الزّجاج هو الظّنّ ، ظنوا أنهم لو لم يحضروا لم يقتلوا.
وقال الزمخشريّ ما معناه : الإشارة إلى النطق والاعتقاد بالقول.
وقريب منه قول ابن عطية : «الإشارة بذلك إلى هذا المعتقد الذي لهم».
وقال ابن عطيّة ـ أيضا ـ : «ويحتمل عندي ـ أن تكون الإشارة إلى النهي والانتهاء معا ، فتأمله».
وقيل : هو المصدر المفهوم من (قالُوا) ، و (حَسْرَةً) مفعول ثان ، و (فِي قُلُوبِهِمْ) يجوز أن يتعلق بالجعل ـ وهو أبلغ ـ أو بمحذوف على أنه صفة للنكرة قبله.
فصل
ذكروا ـ في بيان كون ذلك القول حسرة في قلوبهم ـ وجوها :
الأول : أن أقارب ذلك المقتول إذا سمعوا هذا الكلام ازدادت الحسرة في قلوبهم ؛ لأن أحدهم يعتقد أنه لو بالغ في منعه عن ذلك السفر ، أو الغزو ، لبقي ، فذلك الشخص إنما مات ، أو قتل بسبب أن هذا الإنسان قصّر في منعه ، فيعتقد السامع لهذا الكلام أنه هو الذي تسبب في موت ذلك الشخص العزيز عليه ، أو قتله ، ومتى اعتقد في نفسه ذلك ،