العبد معاملة المختبر ، واختلفوا في هذا الابتلاء ، فقيل : المراد ما نالهم من الشدة والفقر والقتل والجرح من الكفار ، ومن حيث ألزموا الصبر في الجهاد.
وقيل : الابتلاء في الأموال بالمصائب ، وبالإنفاق في سبيل الله وسائر تكاليف الشّرع ، والابتلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفقد الأحباب. وبدأ بذكر الأموال لكثرة المصائب بها.
وقال الحسن : التكاليف الشديدة المتعلقة بالبدن والمال ، كالصلاة والزكاة والجهاد.
وقال القاضي : والظاهر يحتمل الكلّ.
قوله : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) المراد منه أنواع الأذى الحاصلة من اليهود والنصارى والمشركين للمسلمين ، وذلك أنهم كانوا يقولون: (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) و (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) و (ثالِثُ ثَلاثَةٍ) وكانوا يطعنون في الرسول بكل ما يقدرون عليه ، وهجاه كعب بن الأشرف ، وكانوا يحرّضون الناس على مخالفة الرسول ، ويجمعون الناس لمحاربته ، ويثبّطون المسلمين عن نصرته ، ثم قال : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).
قال المفسّرون : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا بكر إلى فنحاص اليهوديّ ، يستمده ، فقال فنحاص : قد احتاج ربكم إلى أن نمده فهمّ أبو بكر أن يضربه بالسيف ، وكان صلىاللهعليهوسلم قال له ـ حين أرسله (١) ـ : لا تغلبن على شيء حتى ترجع إليّ ، فتذكّر أبو بكر ذلك ، وكفّ عن الضرب ، فنزلت الآية.
فصل
في الآية تأويلان :
أحدهما : أن المراد منه أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بالمصابرة على الابتلاء في النفس والمال ، وتحمّل الأذى ، وترك المعارضة والمقابلة ، وذلك لأنه أقرب إلى دخول المخالف في الدين ، كقوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [الجاثية : ٤٤] وقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) [الجاثية : ١٤] وقوله : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) وقوله : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥] وقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت : ٣٤].
قال الواحديّ : كان هذا قبل نزول آية السيف.
قال القفّال : والذي عندي أنّ هذا ليس بمنسوخ ، والظاهر أنها نزلت عقب قصة أحد ، والمعنى : أنهم أمروا بالصّبر على ما يؤذون به الرسول صلىاللهعليهوسلم على طريق الأقوال
__________________
(١) في أ : بعثه.