وأما قراءة الغيبة وفتح الباء فيهما فالفعلان مسندان إلى ضمير غائب ، أي : لا يحسبن الرسول ، أو حاسب.
والكلام في المفعولين للفعلين ، كالكلام في القراءة التي قبلها ، والثاني من الفعلين تأكيد ، أو بدل ، والفاء زائدة ـ على هاتين القراءتين ـ لاتحاد الفاعل.
وقرأ النّخعيّ (١) ، ومروان بن الحكم «بما آتوا» ممدودا ، أي : أعطوا ، وقرأ علي بن أبي طالب «أوتوا» مبنيا للمفعول (٢).
فصل
قال ابن عبّاس : قوله : (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) هم اليهود ، حرّفوا التوراة ، وفرحوا بذلك ، وأحبوا أن يوصفوا بالديانة والفضل (٣).
وقيل : سأل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم اليهود عن شيء من التوراة ، فأخبروه بخلافه ، وفرحوا بذلك التلبيس وطلبوا أن يثنى عليهم بذلك.
وقيل : فرحوا بكتمان النصوص الدالة على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وأحبوا أن يحمدوا بأنهم متبعون دين إبراهيم.
وقيل : هم المنافقون ، فرحوا بنفاقهم للمسلمين ، وأحبّوا أن يحمدهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم على الإيمان.
وقيل : هم بعض المنافقين ، تخلفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الغزو ، وفرحوا بقعودهم ، واعتذروا ، وطمعوا أن يثنى عليهم ، كما يثنى على المجاهدين.
وقيل : المراد كتم اليهود الميثاق المأخوذ عليهم بالاعتراف بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وفرحوا بذلك الكتمان ، وزعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه.
فصل
قال الفرّاء : (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) أي : بما فعلوا ، كقوله : (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) [مريم : ٢٧] أي : فعلت ، وقوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) [النساء : ١٦]. قال الزمخشريّ : «أتى وجاء تستعملان بمعنى فعل قال تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم : ٦١] ويدل عليه قراءة أبي (٤) يفرحون بما فعلوا».
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٥٣ ، والبحر المحيط ٣ / ١٤٤ ، والدر المصون ٢ / ٢٨٢.
(٢) وقرأ بها أبيّ وسعيد بن جبير وأبو عبد الرحمن السلمي. انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٥٣ ، والبحر المحيط ٣ / ١٤٤ ، والدر المصون ٢ / ٢٨٢.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٤٦٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٩١ ـ ١٩٢) وزاد نسبته لابن إسحاق وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس.
(٤) انظر : الكشاف ١ / ٤٥١.