قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ)(١٩٤)
«سمع» إن دخلت على ما يصح أن يسمع ـ نحو : سمعت كلامك وقراءتك ـ تعدّت لواحد ، فإن دخلت على ما لا يصح سماعه ـ بأن كان ذاتا ـ فلا يصحّ الاقتصار عليه وحده ، بل لا بد من الدلالة على شيء يسمع ، نحو سمعت رجلا يقول كذا ، وسمعت زيدا يتكلم ، وللنحويين ـ في هذه المسألة ـ قولان :
أحدهما : أنها تتعدى فيه ـ أيضا ـ إلى مفعول واحد ، والجملة الواقعة بعد المنصوب صفة إن كان قبلها نكرة ، أو حالا ، إن كان معرفة.
والثاني : ـ قول الفارسيّ وجماعة ـ : أنها تتعدى لاثنين ، والجملة في محلّ الثاني منهما ، فعلى قول الجمهور يكون «ينادي» في محل نصب ، لأنه صفة لمنصوب قبله ، وعلى قول الفارسيّ يكون في محل نصب على أنه مفعول ثان.
وقال الزمخشريّ : «تقول : سمعت رجلا يقول كذا ، وسمعت زيدا يتكلم ، فتوقع الفعل على الرجل ، وتحذف المسموع ؛ لأنك وصفته بما يسمع ، أو جعلته حالا منه ، فأغناك عن ذكره ، ولو لا الوصف أو الحال لم يكن منه بدّ ، وأن تقول : سمعت كلام فلان أو قوله».
وهذا قول الجمهور المتقدم ذكره.
إلا أن أبا حيّان اعترض عليه ، فقال «وقوله : ولو لا الوصف أو الحال ... إلى آخره ، ليس كذلك ، بل لا يكون وصف ولا حال ، ويدخل «سمع» على ذات لا على مسموع ، وذلك إذا كان في الكلام ما يشعر بالمسموع ـ وإن لم يكن وصفا ولا حالا ـ ومنه قوله تعالى : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ) [الشعراء : ٧٢] فأغنى ذكر ظرف الدعاء عن ذكر المسموع».
وأجاز أبو البقاء في «ينادي» أن تكون في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في «مناديا». فإن قيل : ما الفائدة في الجمع بين «مناديا» و «ينادي»؟
فأجاب الزمخشريّ بأنه ذكر النداء مطلقا ، ثم مقيّدا بالإيمان ، تفخيما لشأن المنادي ؛ لأنه لا منادي أعظم من مناد ينادي للإيمان ، ونحوه قولك : مررت بهاد يهدي للإسلام ، وذلك أن المنادي إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب ، أو لإطفاء الثائرة ، أو لإغاثة المكروب ، أو لكفاية بعض النوازل ، أو لبعض المنافع وكذلك الهادي يطلق على من يهدي للطريق ، ويهدي لسداد الرأي ، وغير ذلك فإذا قلت : ينادي للإيمان ، ويهدي للإسلام فقد رفعت من شأن المنادي والهادي وفخّمته.