مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(١)
قال بعض المفسرين : «ابتدأ الله سبحانه وتعالى هذه السورة بالعطف على النساء والأيتام ، ذكر فيها أحكاما كثيرة ، وبذلك ختمها ، ولما كانت هذه التكاليف شاقة على النفوس والطّباع ، افتتحها بالأمر بالتقوى المشتملة على كل خير».
فصل
روى الواحدي (١) عن ابن عباس في قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) أن هذا الخطاب لأهل مكة(٢).
وأما الأصوليون من المفسرين فاتفقوا على أن الخطاب عام لجميع المكلّفين ، وهذا هو الأصحّ ؛ لأن لفظ الناس جمع دخله الألف واللام فيفيد الاستغراق ، ولأنه علّل الأمر بالاتّقاء (٣) لكونه تعالى خالق لهم من نفس واحدة ، وهذه العلة موجودة في جميع المكلفين.
وأيضا فالتكليف بالتقوى غير مختص بأهل مكة ، بل هو عام ، وإذا كان لفظ الناس عاما ، والأمر بالتقوى عاما ، وعلة هذا التكليف عامة ، فلا وجه للتخصيص ، وحجة ابن عباس أن قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] مختص (٤) بالعرب ؛ لأن المناشدة بالله وبالرحم عادة مختصة بهم ، فيقولون : «أسألك بالله وبالرحم ، أنشدك الله والرحم» ، وإذا كان كذلك ، كان قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] مختصا بالعرب ، فيكون قوله: (يا أَيُّهَا النَّاسُ) مختصا بهم ، لأن الخطابين متوجهان إلى مخاطب واحد.
ويمكن الجواب عنه بأن خصوص آخر الآية لا يمنع من عموم الآية (٥).
فصل
اعلم أنه تعالى جعل هذا الافتتاح لسورتين في القرآن :
أحدهما : هذه وهي السورة الرابعة من النصف الأول من القرآن ، وعلل الأمر بالتقوى فيهما بما يدل على معرفة المبدأ بأنه خلق الخلق من نفس واحدة ، وهذا يدل على كمال قدرة الخالق وكمال علمه وحكمته.
__________________
(١) ينظر تفسير الرازي ٩ / ١٢٨.
(٢) ذكره السمرقندي في «بحر العلوم» (١ / ٣٢٧) عن ابن عباس وتقدم تخريجه في سورة البقرة.
(٣) في ب : بلاتفاق وهو تحريف.
(٤) في أ : يختص.
(٥) فكان قوله «يا أَيُّهَا النَّاسُ» عاما في الكل ، وقوله : وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ خاصا بالعرب ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٢٩.