في قوله تعالى : (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ٢١٧] وقد طعن جماعة في هذه القراءة ، كالزجاج وغيره ، حتى يحكى عن الفراء الذي (١) مذهبه جواز ذلك أنه قال : حدثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم ، قال : (وَالْأَرْحامَ) بخفض [الأرحام] هو كقولهم : «أسألك بالله والرحم» قال : «وهذا قبيح ؛ لأنّ العرب لا تردّ مخفوضا على مخفوض قد كني به ، وضعّفه بعضهم بأنه عطف للمظهر على المضمر ، وهو لا يجوز (٢).
قال ابن عيسى (٣) : إنهم لم يستحسنوا عطف المظهر على المضمر المرفوع ، فلا يجوز أن يقال : «اذهب وزيد» و «ذهبت وزيد» ، بل يقولون : اذهب أنت وزيد وذهبت أنا وزيد ، قال تعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) [المائدة : ٢٤] مع أن المضمر المرفوع قد ينفصل ، فإذا لم يجز عطف المظهر على المضمر المرفوع مع أنه أقوى من المضمر المجرور ، بسبب أنه قد ينفصل ؛ فلأن لا يجوز عطف المظهر على المضمر المجرور ، مع أنه [لا] ينفصل ألبتّة أولى.
والثاني : أنه ليس معطوفا على الضمير المجرور ، بل الواو للقسم وهو خفض بحرف القسم مقسم به ، وجواب القسم (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ،) وضعّف هذا بوجهين :
أحدهما : أن قراءتي النصب وإظهار حرف الجر في ب «الأرحام» يمنعان من ذلك ، والأصل توافق القراءات.
والثاني : أنّه نهي أن يحلف بغير الله تعالى ، والأحاديث مصرّحة بذلك (٤).
__________________
ـ هذا ، لكان صحيحا ، وإذا قلت : مررت بك وزيد ، فكأنك قلت : مررت بزيد وبك ، فكما لا يكون الثاني هنا إلا بحرف عطف ، كذلك لا يكون الثاني هناك إلا بحرف عطف ، ولما امتنع هذا في الواو امتنع في باقي حروف العطف ؛ لأن الواو هي أمكن في العطف ، وأمر آخر أنك إذا قلت : مررت بزيد وعمرو ، فلم ينزل الظاهر هنا مع الحرف منزلة الشيء الواحد ؛ لأنه ظاهر يأتي مرفوعا ومنصوبا ، وإذا كان كذلك كان منفصلا عن عامله ، وإذا قلت : مررت بك ، فقد تنزل الباء هنا مع الكاف منزلة الشيء الواحد ؛ لأنه على حرف واحد ، وإنه ضمير متصل لا يأتي إلا متصلا بعامله ، وبهذا الثاني علّل سيبويه ، وكلاهما عندي صحيح ، قاله ابن أبي الربيع ، هذا وقد أجاز جماعة من النحاة العطف على المضمر المجرور ، دون إعادة الخافض ، منهم الأخفش ... وأبو علي الشلوبين ، وابن مالك.
البسيط ١ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ـ ٣٤٧ ، الإنصاف ٢ / ٤٦٣ ، الكتاب ٢ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣.
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٢٩٧.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٣٣.
(٣) ينظر : تفسير الرازي الموضع السابق.
(٤) أخرجه البخاري (١١ / ٥٣٠) كتاب الأيمان والنذور (٦٦٤٦) ومسلم (٣ / ١٢٦٦ ـ ١٢٦٧) كتاب الأيمان (٣ / ١٦٤٦) عن ابن عمر مرفوعا بلفظ : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم.
وأخرجه أبو داود (٣ / ٥٩٦) كتاب «الأيمان والنذور» باب : كراهبة الحلف بالآباء (٤٢٤٨) والنسائي (٧ / ٥) وابن حبان (١١٧٦ ـ موارد) عن أبي هريرة بلفظ : لا تحلفوا بآبائكم. ـ