كقوله تعالى : (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) [الأعراف : ١٢٠].
أي : الذين كانوا سحرة قبل السّجود ، وأيضا سمّى الله تعالى مقاربة انقضاء العدة بلوغ الأجل في قوله : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَ) [الطلاق : ٢] والمعنى مقاربة الأجل ، ويدل على أن المراد من اليتامى في هذه الآية البالغون قوله تعالى : (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) [النساء : ٦] والإشهاد عليهم لا يصح قبل البلوغ.
الوجه الثاني : أن يقال : المراد باليتامى الصّغار ، وعلى هذا ففي الآية وجهان :
أحدهما : أن قوله «وآتوا» أمر ، والأمر يتناول المستقبل فيكون المعنى : أن هؤلاء الذين هم يتامى في الحال آتوهم بعد زوال صفة اليتم عنهم أموالهم. فتزول المناقضة.
والثاني : أنّ المراد : وآتوا اليتامى حال كونهم يتامى ما يحتاجونه من نفقتهم وكسوتهم ، والفائدة فيه : أنه كان يجوز أن يظنّ أنّه لا يجوز إنفاق ماله عليه حال صغره ، فأباح الله ـ تعالى ـ ذلك ، وفيه إشكال وهو : أنه لو كان المراد ذلك لقال : وآتوهم من أموالهم ، والآية تدلّ على إيتائهم كل مالهم (١).
فصل
نقل أبو بكر الرازيّ في أحكام القرآن عن الحسن أنه قال : لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم ، وعزلوا أموالهم عن أموال اليتامى ، فشكوا ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة : ٢٢٠]. فخلطوا عند ذلك طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.
قال المفسرون (٢) : الصحيح أنها نزلت في رجل من غطفان ، كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه عمّه فترافعا إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية ، فلما علمها العمّ قال : أطعنا الله وأطعنا الرّسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير ، ودفع إليه ماله (٣) فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «ومن يوق شحّ نفسه ويطع ربّه هكذا فإنّه يحلّ داره» أي : جنّته ، فلما قبض الصّبيّ ماله أنفقه في سبيل الله فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «ثبت الأجر وبقي الوزر» فقالوا : يا رسول الله : لقد عرفنا أنه ثبت الأجر ، فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله فقال : «ثبت الأجر للغلام ، وبقي على والده الوزر» (٤).
قال القرطبيّ (٥) : وإيتاء اليتامى أموالهم يكون من وجهين :
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٣٧.
(٢) ينظر : تفسير الرازي الموضع السابق ، تفسير القرطبي ٥ / ٨ ، الكشاف ١ / ٤٦٤.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٠٧) وعزاه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
(٤) ذكره القرطبي في تفسيره ٥ / ٨.
(٥) ينظر : القرطبي ٥ / ٨.