مانهم يمونهم أي : أنفق عليهم ؛ لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم ، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة من كسب الحلال والأخذ من طيب الرزق» ثم أثنى على الشافعي ثناء جميلا ، وقال : ولكن للعماء طرق وأساليب ، فسلك في تفسير هذه الآية مسلك الكنايات (١) ، انتهى.
وأما قولهم : «خالف المفسرين» فليس بصحيح ، بل قاله زيد بن أسلم وابن زيد (٢).
وأما قولهم : اختلفت المادتان» فليس بصحيح أيضا ؛ لأنه قد تقدّم حكاية ابن الأعرابي عن العرب : عال الرجل يعول كثر عياله ، وحكاها الكسائيّ أيضا قال : يقال : عال الرّجل يعول ، وأعال يعيل كثر عياله.
قال أبو حاتم (٣) : كان الشّافعيّ أعلم بلسان العرب منّا ، ولعلّه لغة ، ويقال : هي لغة «حمير» ونقلها أيضا الدّوريّ المقرىء لغة عن حمير وأنشد [الوافر] :
١٧٤٦ ـ وإنّ الموت يأخذ كلّ حيّ |
|
بلا شكّ وإن أمشى وعالا (٤) |
أمشى : كثرت ماشيته ، وعال كثر عياله ، ولا حجّة في هذا ؛ لاحتمال أن يكون «عال» من ذوات الياء ، وهم لا ينكرون أنّ «عال» يكون بمعنى كثر عياله ، وروي عنه أيضا أنّه فسّر تعولوا بمعنى تفتقروا ، ولا يريد به أنّ «تعولوا» وتعيلوا بمعنى ، بل قصد الكناية أيضا ؛ لأن كثرة العيال سبب للفقر.
وقرأ طلحة (٥) : «تعيلوا» بفتح تاء المضارعة من عال يعيل افتقر قال : [الوافر]
١٧٤٧ ـ فما يدري الفقير متى غناه |
|
وما يدري الغنيّ متى يعيل (٦) |
وقرأ طاوس (٧) : «تعيلوا» بضمها من أعال : كثر عياله ، وهي تعضّد تفسير الشّافعيّ المتقدّم من حيث المعنى.
وقال الرّاغب : عاله ، وغاله يتقاربان ، لكن الغول : فيما يهلك والعول فيما يثقل.
قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً)(٤)
مفعول ثان ، وهي جمع «صدقة» بفتح الصّاد وضمّ الدّال بزنة «سمرة» ، والمراد
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٣٠٤ ، الكشاف ١ / ٤٦٠.
(٢) ينظر : الدرّ المصون الموضع السابق.
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ١٦.
(٤) ينظر البيت في البحر المحيط ٣ / ١٧٣ والدر المصون ٢ / ٣٠٤.
(٥) انظر : البحر المحيط ٣ / ١٧٣ ، والدر المصون ٢ / ٣٠٤.
(٦) البيت لأحيحة بن الجلاح. ينظر القرطبي ٥ / ٢١ والدر المصون ٢ / ٣٠٤.
(٧) انظر : البحر المحيط ٣ / ١٧٤ ، والدر المصون ٢ / ٣٠٤.