في نصب «هنيئا» أربعة أقوال :
أحدها : أنّه منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره : أكلا هنيئا.
الثاني : أنه منصوب على الحال من الهاء في «فكلوه» أي : مهنّئا ، أي سهلا.
والثالث : أنه منصوب على الحال بفعل لا يجوز إظهاره ألبتة ؛ لأنّه قصد بهذه الحال النيابة عن فعلها نحو : «أقائما وقد قعد النّاس» ، كما ينوب المصدر عن فعله نحو «سقيا له ورعيا».
الرابع : أنهما صفتان قامتا مقام المصدر المقصود به الدعاء النائب عن فعله.
قال الزّمخشريّ : «وقد يوقف على «فكلوه» ويبتدأ ب (هَنِيئاً مَرِيئاً) على الدعاء وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام المصدرين ، كأنه قيل : هنئا مرءا».
قال أبو حيان : وهذا تحريف لكلام النّحاة ، وتحريفه هو جعلهما أقيما مقام المصدر ، فانتصابهما انتصاب المصدر ، ولذلك قال : كأنّه قيل : «هنئا مرءا» ، فصار كقولك «سقيا لك» و «رعيا لك» ، ويدلّ على تحريفه وصحّة قول النحاة أنّ المصادر المقصود بها الدعاء لا ترفع الظاهر ، لا تقول : «سقيا الله لك» ، ولا : «رعيا الله لك» ، وإن كان ذلك جائزا في أفعالها ، و (هَنِيئاً مَرِيئاً) يرفعان الظاهر بدليل قوله : [الطويل]
١٧٥٢ ـ هنيئا مريئا غير داء مخامر |
|
لعزّة من أعراضنا ما استحلّت (١) |
ف «ما» مرفوع ب «هنيئا» أو ب «مريئا» على الإعمال ، وجاز ذلك وإن لم يكن بين العاملين ربط بعطف ولا غيره ؛ لأن «مريئا» لا يستعمل إلّا تابعا ل «هنيئا» (٢) فكأنّهما عامل واحد. ولو قلت : «قام قعد زيد» لم يكن من الإعمال إلّا على نيّة حرف العطف. انتهى.
إلّا أن عبارة سيبويه فيها ما يرشد لما قاله الزّمخشريّ ، فإنه قال : هنيئا مريئا صفتان نصبهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل المذكور غير المستعمل إظهاره المختزل لدلالة الكلام عليه ، كأنهم قالوا : ثبت ذلك هنيئا مريئا ، فأوّل العبارة يساعد الزمخشري ، وآخرها وهو تقديره بقوله : كأنهم قالوا : ثبت هنيئا ، يعكّر عليه ، فعلى القولين الأوّلين يكون (هَنِيئاً مَرِيئاً) ، متعلقين بالجملة قبلهما لفظا ومعنى ، وعلى الآخرين مقتطعين (٣) لفظا ؛ لأنّ عاملهما مقدّر من جملة أخرى كما تقدم تقريره.
واختلف النحويون في قولك لمن قال : أصاب فلان (٤) خيرا هنيئا مريئا له ذلك. هل «ذلك» مرفوع بالفعل المقدر ، وتقديره : ثبت له ذلك هنيئا ، فحذف «ثبت» وقام
__________________
(١) تقدم برقم (١٠٦٧).
(٢) في ب : لها.
(٣) في أ : منقطعين.
(٤) في أ : فعلا.