القول الثاني : أنّه خطاب للآباء (١) بألّا يدفعوا مالهم (٢) إلى أولادهم إذا كانوا لا يحفظون المال سفهاء ، وعلى هذا فإضافة الأموال إليهم حقيقة ، والقول الأوّل أرجح ؛ لأنّ ظاهر النّهي التحريم ، وأجمعوا على أنّه لا يحرم عليه أن يهب من أولاده الصّغار ، ومن النّسوان ما شاء من ماله ، وأجمعوا على أنه يحرم على الولي أن يدفع إلى السّفهاء أموالهم ؛ لأنه قال في آخر الآية : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) وهذه الوصيّة بالأيتام أشبه ؛ لأنّ المرء مشفق بطبعه على ولده ، فلا يقول له إلا المعروف ، وإنّما يحتاج إلى هذه الوصيّة مع الأيتام الأجانب.
قال ابن الخطيب (٣) : «ولا يمتنع [أيضا] حمل الآية على كلا الوجهين».
قال القاضي (٤) : هذا بعيد ؛ لأنه يقتضي حمل قوله : «أموالكم» على الحقيقة والمجاز جميعا ، ويمكن الجواب عنه بأن قوله : (أَمْوالَكُمُ) يفيد كون تلك الأموال مختصة بهم ، اختصاصا يمكنه التّصرف فيها ، ثم إنّ هذا الاختصاص حاصل في المال المملوك له وفي المال المملوك للصّبي ، إلّا أنّه تحت تصرّفه ، فهذا التّفاوت واقع في مفهوم خارج من المفهوم المستفاد من قوله (أَمْوالَكُمُ) وإذا كان كذلك لم يبعد حمل اللّفظ عليهما من حيث إن اللفظ [أفاد](٥) معنى واحدا مشتركا بينهما.
قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ).
ومعنى الرزق : أن أنفقوا عليهم. وقوله «فيها» فيه وجهان :
أحدهما : أنّ «في» على بابها من الظرفية ، أي اجعلوا رزقهم فيها.
والثاني : أنها بمعنى «من» ، أي : بعضها والمراد : [من](٦) أرباحها (٧) بالتجارة.
قال ابن الخطيب (٨) : «وإنّما قال «فيها» ولم يقل : منها ، لئلا يكون ذلك أمرا بأن يجعلوا بعض أموالهم رزقا [لهم](٩) ، بل أمرهم أن يجعلوا أموالهم مكانا لرزقهم ، بأن يتّجروا فيها ، فيجعلوا أرزاقهم من الأرباح لا من أصول الأموال». والأمر بالكسوة ظاهر.
فصل في تفسير القول المعروف (١٠)
قوله تعالى : (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً).
اختلف المفسّرون في القول المعروف :
__________________
(١) في أ : للأولياء.
(٢) في ب : أموالهم.
(٣) ينظر : الرازي ٩ / ١٥٠.
(٤) ينظر : الرازي ٩ / ١٥٠.
(٥) سقط في ب.
(٦) سقط في ب.
(٧) في ب : في.
(٨) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٥٢.
(٩) سقط في ب.
(١٠) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٥٢.