قدر عقولهم وعلمهم. وذكروا ـ أيضا ـ وجوها أخر ، وهذا كاف.
فصل
اتفقوا على أنّ كلّ ما نزل فيه وحي من عند الله لم يجز للرسول صلىاللهعليهوسلم أن يشاور الأمة فيه ، لأن النصّ إذا جاء بطل الرأي والقياس ، أما ما لا نصّ فيه ، فهل يجوز المشاورة فيه في جميع الأشياء ، أم لا؟ قال الكلبيّ وأكثر العلماء : الأمر بالمشاورة إنما هو في الحروب ، قالوا : لأن الألف واللام ـ في لفظ «الأمر» ـ ليسا للاستغراق ؛ لما بينّا أن الذي نزل فيه الوحي لا تجوز المشاورة فيه ، فوجب حمل الألف واللام ـ هنا ـ على المعهود السابق ، والمعهود السابق في هذه الآية ما يتعلق بالحرب ولقاء العدو ، فكان قوله : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) مختصا بذلك وقد أشار الحباب بن المنذر ـ يوم أحد ـ على النبي بالنزول على الماء ، فقبل منه. وأشار عليه السعدان ـ سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ـ يوم الخندق بترك مصالحة غطفان على بعض ثمار المدينة لينصرفوا ، فقبل منهما ، وخرق الصحيفة.
وقال بعضهم : اللفظ عام ، خص منه ما نزل فيه وحي ، فتبقى حجته في الباقي.
قال بعضهم : هذه الآية تدل على أن القياس حجّة.
فصل
روى الواحديّ في «البسيط» عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قال : الذي أمر النبي بمشاورته في هذه الآية أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما (١) ـ واستشكله ابن الخطيب ، قال : «وعندي فيه إشكال ؛ لأن الذين أمر الله رسوله بمشاورتهم في هذه الآية هم الذين أمره بأن يعفو عنهم ويستغفر لهم ـ وهم المنهزمون ـ فهب أن عمر كان من المنهزمين فدخل تحت الآية إلا أن أبا بكر ما كان منهم ، فكيف يدخل تحت هذه الآية؟».
قوله : (فَإِذا عَزَمْتَ) الجمهور على فتح التاء ؛ خطابا له صلىاللهعليهوسلم وقرأ عكرمة وجعفر الصادق ـ ورويت عن جابر بن زيد ـ بضمّها (٢). على أنها لله تعالى ، على معنى : فإذا أرشدتك إليه ، وجعلتك تقصده.
وجاء قوله : (عَلَى اللهِ) من الالتفات ؛ إذ لو جاء على نسق هذا الكلام لقيل : فتوكل عليّ.
وقد نسب العزم إليه تعالى في قول أم سلمة : «ثم عزم الله لي» وذلك على سبيل المجاز.
فصل
معنى الكلام : فإذا عزمت فتوكل على الله لا على مشاورتهم ، أي : قم بأمر الله ،
__________________
(١) انظر الدر المنثور (٢ / ١٥٩).
(٢) وقرأ بها أبو نهيك.
انظر : المحرر الوجيز ١ / ٥٣٤ ، والبحر المحيط ٣ / ١٠٥ ، والدر المصون ٢ / ٢٤٦.