وعلّل أبو البقاء (١) وغيره ذلك بأنّ الكسر قد يعرض في حال (٢) من الأحوال وذلك إذا أسند الفعل إلى ضمير المتكلّم ، أو إحدى أخواته نحو : خفت وخفنا ، والجملة من «لو» وجوابها صلة «الّذين».
فصل
اختلفوا في المعنيّ على أقوال :
أحدها : أنّها في الرّجل يحضره الموت فيقول من في حضرته : انظر لنفسك فإنّ أولادك ورثتك لا يغنون عنك من الله شيئا. قدّم لنفسك ، أعتق ، وتصدّق ، وأعط فلانا كذا ، وفلانا كذا ، حتّى يأتي على عامّة ماله ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك ، وأمرهم أن يأمروه بأن ينظر لولده ولا يزيد في وصيّته على الثّلث فيكون خطابا للحاضرين عند الميت. فقيل لهم : كما أنّكم تكرهون بقاء أولادكم في الضّعف ، والجوع فاخشوا الله ، ولا تحملوا المريض على أن يحرم أولاده الضّعفاء ماله ، ومعناه كما أنّك لا ترضى لنفسك مثل هذا الفعل فلا ترضاه لأخيك المسلم.
وثانيها : أنّه خطاب للمريض بحضرة الموت ويريد الوصيّة للأجانب ، فيقول له من يحضره : اتّق الله وأمسك مالك على ولدك مع أنّ القائل له يجب أن يوصي له.
وثالثها : أنّه خطاب لمن قرب أجله ويكون المقصود نهيه عن تكثير الوصيّة ، لئلا تضيع ورثته بعد موته ، فإن كانت هذه الآية نزلت قبل تقدير الوصيّة بالثّلث ، كان المراد بها ألا يستغرق التركة بالوصيّة ، وإن كانت نزلت بعد تقدير الوصيّة بالثّلث كان المراد منها ألا يوصي أيضا بالثّلث بل ينقض إذا خاف على ذرّيّته ، وهذا مرويّ عن كثير من الصّحابة (٣).
رابعها : أنّ هذا خطاب لأولياء اليتيم ، قال الكلبيّ (٤) : كأنّه يقول من كان في حجره فليحسن إليه بما يجب أن يفعل بذريته من بعده.
قال القاضي (٥) : وهذا أليق بما تقدّم وتأخّر من الآيات الواردة في الأيتام.
قوله : (فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً).
أي فليتقوا الله في الأمر الذي تقدم ذكره ، والاحتياط فيه ، وليقولوا قولا سديدا ، والقول السديد هو العدل والصّواب من القول.
قال الزمخشريّ : القول السّديد من الأوصياء أن لا يؤذوا اليتامى ويكلموهم كما (٦) يكلمون أولادهم بالترحيب ويخاطبوهم : يا بني ، ويا ولدي ، والقول السّديد من الجالسين
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٦٨.
(٢) في أ : حول.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٦١.
(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٣٩٨.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٦٢.
(٦) في ب : بما.