بالكليّة ، فصعب الأمر على اليتامى ، فنزل قوله تعالى : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة : ٢٢٠] وزعم بعضهم أنّ هذه الآية صارت منسوخة بتلك وهو بعيد ؛ لأنّ هذه الآية في المنع من الظّلم وهذا لا يصير منسوخا ، بل المقصود أنّ مخالطة أموال اليتامى إن كان على وجه الظّلم فهو إثم عظيم كما في (١) هذه الآية ، وإن كان على وجه الإحسان والتّربية فهو من أعظم [أبواب](٢) البرّ ، لقوله (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) [البقرة : ٢٢٠].
قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)(١١)
في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان :
الأوّل : أنّه تعالى لما بيّن الحكم في مال الأيتام وما على الأولياء فيه ، بيّن في هذه الآية كيفية تملك الأيتام (٣) المال بالإرث.
الثّاني : أنّه لمّا بين حكم الميراث مجملا في قوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) [النساء : ٧] فذكر هنا تفصيل ذلك المجمل.
فصل
اعلم أنّ الوراثة كانت في الجاهليّة بالذّكورة والقوّة ، وكانوا يورثون الرّجال دون النّساء والصّبيان ، فأبطل الله ذلك بقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ) الآية. وكانت أيضا في الجاهليّة وابتداء الإسلام بالمخالطة (٤) ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ)(٥) [النساء : ٣٣].
ثم صارت الوراثة بالهجرة ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنفال : ٧٢] فنسخ الله ذلك كله بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [الأنفال : ٧٥] وصارت الوراثة بأحد الأمور الثّلاثة : النّسب ، أو النكاح ، أو الولاء.
وقيل : كانت الوراثة أيضا بالتّبنّي ، فإنّ الرّجل منهم كان يتبنّى ابن غيره فينسب إليه دون أبيه من النّسب فيرثه ، وهو نوع من المعاهدة المتقدّمة ، وكذلك بالمؤاخاة.
وقال بعض العلماء : لم ينسخ شيء من ذلك بل قررهم الله عليه فقوله : (وَلِكُلٍ
__________________
(١) في أ : كأنني.
(٢) سقط في أ.
(٣) في ب : مال اليتيم.
(٤) في أ : بالمخالفة.
(٥) في أ : عاقدت.