وثق به ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) وهذا جار مجرى العلة الباعثة على التوكّل عند الأخذ في كل الأمور ، وهذه الآية تدل على أنه ليس التوكّل أن يهمل نفسه ـ كقول بعض الجهّال ـ وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيا [للأمر بالتوكل] ، بل التوكل هو أن يراعي الإنسان الأسباب الظاهرة ، ولكن لا يعوّل بقلبه عليها ، بل يعوّل على عصمة الحقّ.
فصل
التوكل : الاعتماد على الله تعالى مع إظهار العجز ، والاسم : التّكلان ، يقال منه : اتكلت عليه في أمري وأصله : اوتكلت ، قلبت الواو ياء ، لانكسار ما قبلها ، ثم أبدلت منها التاء ، وأدغمت في تاء الافتعال ، ويقال : وكّلته بأمري توكيلا ، والاسم : الوكالة ـ بكسر الواو وفتحها ـ.
قوله تعالى : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(١٦٠)
قوله : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) شرط وجوابه ، وكذلك قوله : (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي) وهذا التفات من الغيبة إلى الخطاب ـ كذا قاله أبو حيان. يعني من الغيبة في قوله : (لِنْتَ لَهُمْ) وقوله : (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وقوله : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ) قال شهاب الدين : وفيه نظر. وجاء قوله : (فَلا غالِبَ لَكُمْ) جوابا للشرط ، وهو نفي صريح ، وقوله : (فَمَنْ ذَا الَّذِي) ـ وهو متضمن للنفي ـ جواب للشرط الثاني ، تلطفا بالمؤمنين ، حيث صرح لهم بعدم الغلبة في الأول ، ولم يصرح لهم بأنه لا ناصر لهم في الثاني بل أتى به في صورة الاستفهام ـ وإن كان معناه نفيا.
وقوله : (فَمَنْ ذَا الَّذِي) قد تقدم مثله في البقرة (١).
والهاء ـ في قوله : (مِنْ بَعْدِهِ) ـ فيها وجهان :
أحدهما ـ وهو الأظهر ـ : أنها تعود على «الله» تعالى ، وفيه احتمالان :
الأول : أن يكون ذلك على حذف مضاف ، أي : من بعد خذلانه.
الثاني : أنه لا يحتاج إلى ذلك ، ويكون معنى الكلام : إنكم إذا جاوزتموه إلى غيره ـ وقد خذلكم ـ فمن يجاوزه إليه وينصركم؟
ثانيهما : أن يعود على الخذلان المفهوم من الفعل ، وهو نظير قوله : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨].
قوله : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ) يعنكم ويمنعكم من عدوكم (فَلا غالِبَ لَكُمْ) مثل يوم بدر (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ) يترككم كما كان بأحد ـ لم ينصركم أحد. والخذلان : القعود عن
__________________
(١) آية : ٢٥٥.