فثبت أنّ القول بكلمة الاشتراط يفضي إلى الباطل فيكون باطلا ولأنّه تعالى قال : (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) [البقرة : ٢٨٣] وقال : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ) [النساء : ١٠١] ولا يمكن أن (١) يفيد معنى الاشتراط في هذه الآيات.
الثّالث : أنّ في الآية تقديما وتأخيرا والتقدير : فإن كنّ نساء اثنتين فما فوقهما فلهن الثّلثان.
وأمّا سائر الأمّة ، فأجمعوا على أنّ فرض البنتين الثلثان.
قال أبو مسلم الأصفهاني (٢) : عرفناه من قوله تعالى (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فإذا كان نصيب الذكر مثل حظ الأنثيين ، ونصيب الذكر هاهنا هو الثّلثان وجب لا محالة أن يكون نصيب البنتين الثلثين.
وقال أبو بكر الرّازي (٣) : إذا مات وخلف ابنا وبنتا فهاهنا نصيب البنت الثّلث لقوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فإذا كان نصيب البنت مع الولد الذّكر هو الثّلث ، فأن يكون نصيبها مع ولد آخر أنثى هو الثلث كان أولى ؛ لأنّ الذكر أقوى من الأنثى ، وإذا كان حظ البنتين أزيد من حظ الواحدة ، وجب أن يكون ذلك هو الثّلثان ؛ لأنّه لا قائل (٤) بالفرق ، وأيضا فلما ذكرنا من سبب النّزول أنه عليهالسلام أعطى بنتي سعد بن الرّبيع الثّلثين ، ولأنّه تعالى ذكر في هذه الآية حكم الواحدة من البنات وحكم الثلاث فما فوقهن ، ولم يذكر حكم البنتين ، وقال في ميراث الأخوات (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ) [النساء : ١٧٦] فذكر ميراث الأخت الواحدة والأختين ، ولم يذكر ميراث الكثير فصار كل واحدة من هاتين الآيتين مجملا من وجه ومبينا من وجه ، فنقول : لما كان نصيب الأختين الثلثين كانت البنتان أولى بذلك ؛ لأنّهما أقرب إلى الميّت من الأختين ، ولمّا كان نصيب البنات الكثيرة لا يزيد على الثّلثين ، وجب ألّا يزيد نصيب الأخوات الكثيرة على ذلك ؛ لأنّ البنت لمّا كانت أشد اتّصالا بالميت ؛ امتنع جعل الأضعف زائدا على الأقوى.
وأما القسم الثّالث : وهو أن يكون الأولاد ذكورا فقط ، فللواحد المنفرد أخذ المال كلّه ، لقوله تعالى (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ثم قال في البنات (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) فلزم من مجموع الآيتين (٥) أن نصيب الابن المنفرد جميع المال ، وقال عليهالسلام : «ما أبقت السّهام فلأولى عصبة ذكر» (٦) وإذا أخذ كل ما يبقى بعد السّهام ، وجب أن يأخذ الكلّ إذا لم يكن سهام.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٦٧.
(٣) ينظر : السابق.
(٤) في أ : يقال.
(٥) في أ : الآيتين.
(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٥ / ١٦٧).