في تشهير الفضائل يجب أن يكون راجحا على السعي في تشهير الرّذائل ، ولهذا قال (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] فذكر الإحسان مرتين والإساءة مرّة واحدة ، وأيضا فلأنهم كانوا يورثون الذكور دون الإناث ، وهو سبب نزول الآية ، فقيل (١) : كفى للذكر أن جعل نصيبه ضعف نصيب الأنثى ، فلا ينبغي أن يطمع في حرمان الأنثى بالكليّة.
فإن قيل : قوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) جمع ، وأقلّ الجمع ثلاثة فما فائدة قوله (فَوْقَاثْنَتَيْنِ)؟.
فالجواب : للتأكيد كقوله : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) [النساء : ١٠] وقوله : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) [النحل : ٥١].
فصل
اسم الولد يقع على ولد الصّلب حقيقة ، وهل يستعمل في ولد الابن حقيقة أو مجازا؟ خلاف.
فإن قلنا : إنّه مجاز ، فنقول : ثبت في أصول الفقه أنّ اللّفظ الواحد لا يجوز أن يستعمل دفعة واحدة في حقيقته وفي مجازه معا ، فحينئذ يمتنع أن يكون المراد بقوله (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ولد الصّلب ، وولد الابن معا ، ويدفع هذا الإشكال بأن يقال : إنّا لا نستفيد حكم ولد الابن من هذه الآية ، [بل](٢) من دليل آخر ، وذلك أن أولاد (٣) الابن لا يرثون إلا عند عدم الولد ، وإذا لم يستغرق ولد الصّلب كلّ الميراث ، وإن ثبت أنّه حقيقة فيهما فيكون مشتركا بينهما فيعود الإشكال ، لأنّه ثبت أنّه لا يجوز استعمال اللّفظ المشترك لإفادة معنييه معا ، بل الواجب أنّ اللفظ يكون متواطئا (٤) فيهما كالحيوان (٥) بالنّسبة إلى الإنسان ، والفرس ، [والذي](٦) يدلّ على صحّة ذلك قوله (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) [النساء : ٢٣] وأجمعوا على أنه يدخل فيه ابن الصّلب ، وأولاد الابن ، فعلمنا أنّ لفظ الابن يتواطأ بالنسبة إلى ولد الصّلب وولد الابن وعلى هذا التّقدير يزول الإشكال ويدخل في هذا البحث هل يتناول اسم الأب الأجداد والجدّات؟ وقد وقع ذلك في قوله تعالى : (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [البقرة : ١٣٣] والأظهر أنّه ليس على سبيل الحقيقة ، فإن الصّحابة اتّفقوا على أنه ليس للجدّ حكم مذكور في القرآن ، ولو كان اسم الأب يتناول الجد لما صحّ ذلك.
فصل
قالوا إن عموم قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) مخصوص بأربع صور :
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٦٨.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : ولد.
(٤) في أ : متوصلا.
(٥) في ب : كالجواب.
(٦) سقط في أ.