«يوصيكم» : فرض عليكم ذلك ، فصار المعنى : «يوصيكم الله وصية فرض» ، فهو مصدر على غير الصّدر.
والثاني : أنّها مصدر [منصوب بفعل](١) محذوف من لفظها.
قال أبو البقاء (٢) : و (فَرِيضَةً) مصدر لفعل محذوف ، أي : فرض الله ذلك فريضة.
والثالث : قاله مكيّ وغيره : أنّها حال ؛ لأنّها ليست مصدرا ، وكلام الزمخشريّ محتمل للوجهين الأوّلين ، فإنّه قال : «فريضة» نصبت نصب المصدر المؤكد ، أي : «فرض الله ذلك فرضا». ثم قال: (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) أي : بأمور العباد «حكيما» بنصب الأحكام.
فإن قيل : لم قال كان عليما حكيما مع أنّه لم يزل كذلك؟.
فالجواب قال الخليل : الخبر عن الله تعالى بهذه الألفاظ ، كالخبر بالحال والاستقبال ؛ لأنّه تعالى منزّه عن الدخول تحت الزمان.
قال سيبويه : القوم لما شاهدوا علما وحكمة وفضلا وإحسانا تعجبوا ، فقيل لهم : إنّ الله كذلك ، ولم يزل موصوفا بهذه الصفات.
قوله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)(١٢)
اعلم أنّ أقسام الوراثة ثلاثة :
قسم لا يسقط بحال وهم : الآباء والأولاد والأزواج فهؤلاء قسمان ، والثّالث هو المسمى بالكلالة وهذا القسم متأخر عن القسمين الأوّلين لأنه قد يعرض لهم السّقوط بالكليّة ، ولأنّهم يدلون إلى الميّت بواسطة ، والقسمان الأوّلان يدلون بأنفسهم فقدّم الله تعالى الوارث بالنّسب ؛ لأنّه أعلاها ثمّ ثنى بذكر الوارث بالسّبب الّذي لا يسقط بحال ، لأنّه دون الأوّل وهو الزوجان ثم ذكر القسم الثّالث بعدهما ؛ لأنّه دونهما ، ولما جعل
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٦٩.