أولى وأقوى ، ثمّ قال : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) عليم بمن جار أو عدل في وصيته «حليم» على الجائر لا يعاجله بالعقوبة وهذا وعيد.
قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٤)
لما بيّن سهام المواريث ذكر الوعد والوعيد ، ترغيبا في الطّاعة وترهيبا عن المعصية.
وقوله تعالى : (تِلْكَ) إشارة إلى ما ذكر من المواريث ؛ لأنّ الضّمير يعود إلى أقرب مذكور.
وقيل : إشارة إلى كلّ ما ذكر من أوّل السّورة إلى هنا من أحكام أموال اليتامى ، والأنكحة ، وأحكام المواريث ، قاله الأصمّ (١) ؛ لأنّ الأقرب إذا لم يمنع من عوده إلى الأبعد وجب عوده إلى الكلّ ؛ ولأنّ المراد بحدود الله : الأحكام التي ذكرها وبيّنها ، ومنه حدود الدّار ؛ لأنّها تميزها من غيرها.
قوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) وقوله (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ).
قيل : مختصّ بمن أطاع أو عصى في هذه التّكاليف المذكورة في هذه السّورة.
وقال المحقّقون (٢) : بل هو عام ؛ لأنّ اللّفظ عامّ فيتناول الكلّ.
قوله : (يُدْخِلْهُ) حمل على لفظ «من» ، فأفرد الضّمير في قوله : (يُطِعِ اللهَ) و (يُدْخِلْهُ) وعلى معناها ، فجمع في قوله : (خالِدِينَ) وهذا أحسن الحملين ، أعني : الحمل على اللّفظ ، ثم على المعنى ، ويجوز العكس ، وإن كان ابن عطيّة قد منعه وليس بشيء لثبوته عن العرب ، وقد تقدّم ذلك مرارا ، وفيه تفصيل ، وله شروط مذكورة في كتب النحو.
قوله : (خالِدِينَ) في نصبه وجهان :
أظهرهما : أنّه حال من الضمير المنصوب في (يُدْخِلْهُ) ولا يضرّ تغاير الحال وصاحبها من حيث كانت جمعا وصاحبها مفردا ، لما تقدّم من اعتبار اللّفظ والمعنى وهي مقدّرة ؛ لأنّ الخلود بعد الدّخول.
والثّاني : أن يكون نعتا ل (جَنَّاتٍ) من باب ما جرى على موصوفه لفظا ، وهو
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٨٤.
(٢) ينظر : المصدر السابق.