وفي سورة التغابن [الآية ٩] والطلاق [الآية ١١] بنون العظمة ، والباقون بالياء ، والضمير لله تعالى.
فإن قيل : كيف جمع (خالِدِينَ) في الطائعين ، وأفرد خالدا في العاصين؟.
فالجواب : قالوا : لأنّ أهل الطّاعة أهل الشّفاعة ، فلمّا كانوا يدخلون هم والمشفوع لهم ناسب ذلك الجمع ، والعاصي لا يدخل به غيره النار ، فناسب ذلك الإفراد.
قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) هذه الجملة في محل نصب صفة ل «جنات» ، وقد تقدم مرارا أن المنصوب بعد «دخل» من الظروف هل نصبه نصب الظّروف ، أو نصب المفعول به؟
الأوّل : قول الجمهور.
والثاني : قول الأخفش ، فكذلك (جَنَّاتٍ) ، و (ناراً).
فصل
قالت المعتزلة (١) : هذه الآية دلّت على أنّ العصاة من أهل الصّلاة يخلدون في النّار ؛ لأنّ قوله (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) إمّا أن يختص بمن تعدّى الحدود المتقدمة ، وهي حدود المواريث أو يدخل فيها ذلك وغيره ، وعلى هذا يلزم دخول من تعدّى في المواريث في هذا الوعيد ، وذلك عام فيمن تعدّى ، وهو من أهل الصّلاة ، أو ليس من أهل الصّلاة فدلّت هذه (٢) الآية على القطع بالوعيد وعلى الخلود ، ولا يقال على هذا الوعيد مختص بمن تعدّى حدود الله ، وذلك لا يتحقّق إلّا في حقّ الكافر ، فإنّه هو الّذي تعدّى جميع حدود الله ، فإنّا نقول : هذا مدفوع من وجهين :
الأوّل : أنّا لو حملنا هذه الآية على تعدي جميع حدود الله خرجت الآية عن الفائدة ، لأنّ الله تعالى نهى عن اليهوديّة والنّصرانية ، والمجوسيّة ، فتعدي جميع هذه النّواهي وتركها إنما يكون بأن يأتي اليهودية والنصرانية والمجوسية معا ، وذلك محال ، فثبت أن تعدي جميع حدود الله محال ، وإذا كان كذلك علمنا أنّ المراد منه أي حدّ كان من حدود الله.
الثّاني : أنّ هذه الآية مذكورة عقيب قسمة المواريث فيكون المراد فيها التّعدي في الحدود المذكورة في قسمة الموارث.
وأجيب (٣) بأنّا أجمعنا على أنّ هذا الوعيد مختصّ بعدم التّوبة ؛ لأنّ الدّليل دلّ على أنّه إذا تاب لم يبق هذا الوعيد فكذلك يجوز أن يكون مشروطا بعدم العفو ، فإنّ بتقدير (٤)
__________________
(١) ينظر : الرازي ٩ / ١٨٤ ، ١٨٥.
(٢) في أ : قدمت.
(٣) في أ : وأجيبوا.
(٤) في أ : بتقديم.