واختلفوا في الإمساك في البيت هل كان حدا فنسخ أم كان حبسا ليظهر الحدّ؟ على قولين : فقيل : هو توعد بالحد.
وقال ابن عبّاس والحسن : إنّه (١) حدّ ، وزاد ابن زيد أنّهم منعوا من النّكاح حتّى يموتوا عقوبة لهم ، لأنّهم طلبوا النكاح من غير وجهه ، وهذا يدلّ على أنّه كان حدّا ، بل أشد غير أنّ ذلك الحكم ثابت محدود إلى غاية ، وهو الأذى في الآية الأخرى على اختلاف التأوليين في أيّهما قبل ، وكلاهما ممدود إلى غاية ، وهو قوله عليهالسلام : «خذوا عنّي خذوا عنّي قد جعل الله لهنّ سبيلا» الحديث وهذا كقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧] فإذا جاء اللّيل ارتفع حكم الصّيام إلى غايته لا لنسخه ، هذا قول المحقّقين المتأخّرين ، فإن النّسخ إنّما يكون بين القولين المتعارضين اللّذين لا يمكن الجمع بينهما والجمع ممكن بين الحبس والتّغريب والجلد والرّجم.
وقد قال بعض العلماء : إن الأذى والتغريب (٢) باق مع الجلد ؛ لأنّهما لا يتعارضان فيحملان على شخص واحد فأمّا الحبس فمنسوخ بالإجماع ، وإطلاق المتقدمين النّسخ على مثل هذا لا يجوز.
[وقيل : إن المراد بقوله تعالى : (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) المراد أن يحبس كل من الرجل والمرأة في مكانه حتى يدركهن الأجل بالموت ، أو يتبين الحمل فيجري عليهما حينئذ القصاص انتهى. والله أعلم](٣).
قوله تعالى : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً)(١٦)](٤)
(وَالَّذانِ) الكلام عليه كالكلام على «اللاتي» إلّا أن في كلام أبي البقاء ما يوهم جواز الاشتغال فيه فإنه قال : الكلام في «اللذان» كالكلام في «اللاتي» إلّا أنّ من أجاز النّصب يصحّ أن يقدّر فعلا من جنس المذكور ، تقديره : آذوا اللذين ولا يجوز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها هاهنا ، ولو عري من الضّمير ، لأنّ الفاء هنا في حكم الفاء الواقعة في جواب الشرط ، وتلك يقطع ما بعدها عما قبلها ، فقوله : «من أجاز النصب» يحتمل من أجاز النّصب المتقدّم في «اللاتي» بإضمار فعل لا على سبيل الاشتغال كما قدّره هو بنحو «اقصدوا» ويحتمل من أجاز النّصب على الاشتغال من حيث الجملة ، إلّا أن هذا بعيد ؛ لأنّ الآيتين من واد واحد ، فلا يظنّ به أنّه يمنع في إحداهما ويجيز في الأخرى ، ولا ينفع كون الآية الأولى فيها الفعل الذي يفسّر متعدّ بحرف جرّ والفعل الّذي في هذه
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٧٤).
(٢) في ب : والتغير.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.