وقيل : قبل أن يحيط السّوء بحسناته فيحبطها. وقال الضّحّاك : قبل معاينة ملك الموت (١).
قوله : (مِنْ قَرِيبٍ) فيه وجهان :
أحدهما : أن تكون «من» لابتداء الغاية ، أي : تبتدىء التّوبة من زمان قريب من زمان المعصية لئلّا يقع في الإصرار ، وهذا إنّما يتأتّى على قول الكوفيين ، وأما البصريون فلا يجيزون أن تكون «من» لابتداء الغاية في الزّمان ، ويتأوّلون ما جاء منه ، ويكون مفهوم الآية أنّه لو تاب من زمان بعيد لم يدخل (٢) في من خصّ بكرامة قبول التّوبة على الله المذكورة في هذه الآية ، بل يكون داخلا فيمن (٣) قال فيهم (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٢].
والثاني : أنّها للتّبعيض أي : بعض زمان قريب يعني (٤) أي جزء من أجزاء هذا الزمان أتى بالتّوبة فيه ، فهو تائب من قريب.
وعلى الوجهين ف «من» متعلقة ب «يتوبون» ، و «قريب» صفة لزمان محذوف ، كما تقدم تقريره ، إلّا أنّ حذف هذا الموصوف وإقامة هذه الصفة مقامه ليس بقياس ، إذ لا ينقاس الحذف إلّا في صور (٥) :
منها أن تكون الصفة جرت مجرى الأسماء الجوامد ، كالأبطح والأبرق ، أو كانت خاصة بجنس الموصوف ، نحو : مررت بكاتب ، أو تقدّم ذكر موصوفها ، نحو : اسقني ماء ولو باردا ، وما نحن فيه ليس شيئا من ذلك.
وفي قوله : (ثُمَّ يَتُوبُونَ) إعلام بسعة عفوه ، حيث أتى بحرف التّراخي والفاء في قوله : (فَأُولئِكَ) مؤذنة بتسبّب قبول الله توبتهم إذا تابوا من قريب ، وضمّن (يَتُوبُونَ) معنى يعطف فلذلك [عدّى](٦) ب «على».
وأما قوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) فراعى المضاف المحذوف ، إذ التّقدير : إنّما قبول التّوبة على الله ، كذا قال الشّيخ (٧) وفيه نظر.
فصل
معنى قوله (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) يعني أنّ العبد الّذي هذا شأنه إذا أتى بالتّوبة قبلها منه ، فالمراد بالأوّل التّوفيق إلى التوبة ، وبالثّاني قبول التّوبة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٩٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٣٢) وزاد نسبته لسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) في أ : يحصل.
(٣) في أ : فيما.
(٤) في أ : أعني.
(٥) ينظر : الكتاب ١ / ١١٦.
(٦) سقط في ب.
(٧) ينظر : البحر ١ / ١٩٩.