يكون سببا لقبول التّوبة أولى من أن يكون سببا لعدم قبول التّوبة.
فصل
لما بيّن تعالى أنّه يقبل التّوبة من القسم الأوّل ، وهم الذين يعملون السّوء بجهالة ، وبيّن في هذا القسم الثّاني وهم الذين يعملون السّيّئات أنّه لا يقبل توبتهم فبقي بحكم التّقسيم العقلي قسم ثالث متوسط بين هذين القسمين ، وهم الّذين يعملون السّوء على سبيل العمد ثم يتوبون فلم يخبر عنهم أنّه يردّ توبتهم ، بل تركهم في المشيئة حيث قال : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨].
قوله : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) «الذين» مجرور المحل عطفا على قوله (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي : ليست التّوبة لهؤلاء ، ولا لهؤلاء ، فسوّى بين من مات كافرا وبين من لم يتب إلّا عند معاينة الموت في عدم قبول توبته ، والمراد بالعاملين السيئات المنافقون.
وأجاز أبو البقاء (١) في (الَّذِينَ) أن يكون مرفوع المحلّ (٢) على الابتداء وخبره «أولئك» وما بعده معتقدا أنّ اللام لام الابتداء وليست ب «لا» النّافية ، وهذا الّذي قاله من كون اللام لام الابتداء لا يصحّ إلا أن يكون قد رسمت في (٣) المصحف لام داخلة على (الَّذِينَ) فيصير «وللذين» وليس المرسوم كذلك ، وإنّما هو لام وألف ، وألف لام التّعريف الدّاخلة على (٤) الموصول وصورته : ولا الذين.
فصل
قيل : المراد ب (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) العصاة وب (الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) الذي يموت كافرا ؛ لأنّ المعطوف يكون مغايرا للمعطوف عليه. وقيل : المراد بالأوّل : المنافقون ، وبالثاني : الكفّار.
قال ابن الخطيب (٥) : وهذا لا يصحّ ؛ لأنّ المنافق كافر فيدخل في الثّاني ويمكن أن يجاب بأنّ المنافق لما أظهر الإيمان فمن لم يعلم حاله يعتقد أنّ حكمه حكم المؤمن ، (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١] و «أولئك» يجوز أن تكون إشارة إلى (الَّذِينَ يَمُوتُونَ) وهم كفّار ؛ لأنّ اسم الإشارة يجري مجرى الضّمير فيعود إلى أقرب مذكور ، ويجوز أن يشار به إلى الصّنفين الذين يعملون السيّئات ، والذين يموتون وهم كفار. (وَأَعْتَدْنا) أي : أحضرنا وهذا يدلّ على أنّ النّار مخلوقة ؛ لأنّ العذاب الأليم ليس إلّا جهنم وقد أخبر عنه بصيغة الماضي ، والله أعلم.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ١٧٢.
(٢) في أ : للمحل.
(٣) في أ : من.
(٤) في أ : على.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ٩.