فصل
قال أكثر المفسّرين : إن هذه الآية على ظاهرها ، قالوا : وهو نظير قوله في مانع الزكاة : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) [التوبة : ٣٥] ويدل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا ألفينّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة لها ثغاء ، فينادي يا محمّد ، يا محمّد ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد بلّغتك» (١).
وعن ابن عباس أنه قال : يمثّل له ذلك الشيء في قعر جهنم ، ثم يقال له : انزل إليه فخذه ، فينزل إليه ، فإذا انتهى إليه حمله على ظهره ، فلا يقبل منه (٢).
قال المحققون : وفائدته أنه إذا جاء يوم القيامة ، وعلى رقبته ذلك الغلول ازدادت فضيحته.
وقال أبو مسلم : ليس المقصود من الآية ظاهرها ، بل المقصود تشديد الوعيد على سبيل التمثيل ، كقوله تعالى : (إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ) [لقمان : ١٦] فإنه ليس المقصود نفس هذا الظاهر ، بل المقصود إثبات أن الله لا يغرب عن علمه وعن حفظه مثقال ذرة في الأرض ، ولا في السماء ، فكذا هنا المقصود تشديد الوعيد ، والمعنى : أن الله يحفظ عليه هذا الغلول ، ويعزره عليه يوم القيامة ويجازيه ؛ لأنه لا تخفى عليه خافية.
وقال الكعبيّ : المراد أنه يشتهر بذلك مثل اشتهار من يحمل ذلك الشيء.
قال ابن الخطيب : والأول أولى ؛ لأنه حمل الكلام على حقيقته.
وقيل : معنى : (يَأْتِ بِما غَلَ) أي : يشهد عليه يوم القيامة بتلك الخيانة والغلول.
فصل
قال القرطبيّ : دلّت هذه الآية على أن الغلول من الغنيمة كبيرة من الكبائر ، ويؤيده ما ورد من قوله صلىاللهعليهوسلم : ـ في مدعم ـ : «والّذي نفسي بيده إنّ الشّملة الّتي أخذ يوم خيبر من المغانم ولم تصبها المقاسم ـ لتشتعل عليه نارا». فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «شراك أو شراكان من نار» (٣) وامتناعه من الصلاة
__________________
(١) أخرجه البخاري (٦ / ١٢٩) كتاب الجهاد والسير باب الغلول (٣٠٧٣) ومسلم (٢ / ٨٣) وأحمد (٢ / ٣٢٦) والبيهقي (٩ / ١٠١) وفي «شعب الإيمان (٤٣٣٠).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٦٣) وزاد نسبته لابن أبي شيبة.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٣٦٧) عن الكلبي.
(٣) أخرجه البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر (٣٨) ومسلم كتاب الإيمان (١) باب غلظ تحريم الغلول (٤٦) ومالك في «الموطأ» (٤٥٩) وأبو عوانة (١ / ٥٠) والنسائي (٧ / ٢٤) والبيهقي (٩ / ١٠٠ ، ـ