والثاني : أنّها مصدريّة أي : ولا تنكحوا مثل نكاح آبائكم الّذي كان في الجاهليّة وهو النكاح الفاسد كنكاح الشغار وغيره ، واختار هذا القول جماعة منهم ابن جرير الطبري (١) وقال : ولو كان معناه : ولا تنكحوا النساء التي نكح آباؤكم لوجب أن يكون موضع «ما» «من» انتهى. وتبين كونه حراما ، أو فاسدا من قوله (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً). قوله : (مِنَ النِّساءِ) تقدم نظيره أول السورة.
فصل [حكم نكاح مزنية الأب]
قال أبو حنيفة وأحمد : يحرم على الرجل أن يتزوج بمزنية أبيه وقال الشافعي : لا يحرم ، واحتج الأولون بهذه الآية ، لأنه تعالى نهى الرجل أن ينكح منكوحة أبيه ، والنكاح عبارة عن الوطء لوجوه :
أحدها : قوله تعالى (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة : ٢٣٠] فأضاف النّكاح إلى الزّوج ، والنّكاح المضاف إلى الزّوج هو الوطء لا العقد ؛ لأن الإنسان لا يتزوج من [زوجة](٢) نفسه ؛ لأن ذلك تحصيل الحاصل ؛ ولأنّه لو كان المراد به في هذه الآية العقد لحصل التحليل بمجرد العقد وحيث لم يحصل علمنا أن المراد من النكاح في هذه الآية ليس هو العقد ، فتعين أن يكون هو الوطء ؛ لأنه لا قائل بالفرق.
وثانيها : قوله (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) [النساء : ٦] والمراد به الوطء لا العقد ؛ لأن أهلية العقد كانت حاصلة.
وثالثها : قوله (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً) ولو كان المراد العقد لزم الكذب.
ورابعها : قوله عليه [الصلاة](٣) والسلام «ناكح اليد ملعون» (٤) وليس المراد العقد فثبت بهذه الوجوه أنّ النكاح عبارة عن الوطء فلزم أن يكون المراد من قوله (ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) أي : وطئهن آباؤكم ، فيدخل فيه المنكوحة والمزنيّ بها.
فإن قيل قد ورد أيضا لفظ «النكاح» بمعنى العقد ، قال تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) [النور : ٣٢](فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣]. إذا نكحتم المؤمنات.
وقال عليه [الصلاة](٥) والسلام : «ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح» فلم كان حمل اللفظ على الوطء أولى من حمله على العقد؟
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) ذكره الشيخ علي القاري في «الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة» رقم (١٠٢٢) وقال : لا أصل له كما صرح به الرهاوي في حاشيته على المنار.
وأورده العجلوني في «كشف الخفاء» (٢ / ٤٤٩).
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.