فصل [حكم نكاح البنت من الزنا](١)
قال الشّافعيّ ـ رضي الله عنه ـ : البنت المخلوقة من ماء الزنا لا تحرم على الزاني.
__________________
(١) اختلف الفقهاء في البنت من الزنا هل تحرم على أبيها أو لا تحرم؟
فذهب جمهور الفقهاء منهم الأئمة الثلاثة مالك وأبو حنيفة وأحمد إلى القول بأنه يحرم على الرجل أن يتزوج ابنته المتخلقة من مائه ، وقالوا : إن نكاح البنت من الزنا من الأنكحة الفاسدة ؛ لأنهم يشترطون في صحة النكاح ألّا تكون المرأة متخلقة من ماء الزوج ، مع قطع النظر عن كونها من نكاح أو زنا.
وذهب الشافعية : إلى القول بأن بنت الزنا لا تحرم على أبيها ، وأنه إذا عقد عليها ، كان النكاح صحيحا ، وإن قالوا بكراهة نكاحها ؛ للخروج من الخلاف ، ونص عبارته في الأم : «وأكره له في الورع أن ينكح بنات الذي ولده من الزنا ، فإن نكح لم أفسخه ؛ لأنه ليس ابنا في حكم النبي صلىاللهعليهوسلم» واختلف أصحابه في سبب الكراهة على وجهين : فقال أبو إسحاق المروزي : لجواز أن تكون مخلوقة من مائه ، وعلى هذا لو تحقق خلقها من مائة ، حرمت ، وهذا غير ظاهر ؛ لأن الفرض أنها بنته من الزنا. وقال أبو حامد : يكره للخلاف ؛ كما كره القصر في أقل من ثلاث مراحل ، وهذا هو الظاهر يرشد إليه قول الإمام : «وأكره له في الورع». وعلى هذا لو تحقق خلقها من مائه بأن حبست عن الوطء إلى أن ولدت لم تحرم.
قال شهاب الدين الرملي : والمخلوقة من ماء زناه تحل له ؛ لأنها أجنبية عنه ؛ إذ لا يثبت لها توارث ولا غيره من أحكام النسب ، وإن أخبره صادق كعيسى صلىاللهعليهوسلم وقت نزوله بأنها من مائه ؛ لأن الشرع قطع نسبها عنه ، فلا نظر ؛ لكونها من ماء سفاح ، نعم ، يكره له نكاحها خروجا من الخلاف.
واستدل الشافعية بما يأتي :
أولا : قالوا إن بنت الزنا أجنبية عن الزاني ؛ إذ لو كانت بنتا للزاني ، لثبت لها الميراث وغيره من أحكام النسب من ثبوت الولاية عليها ، ووجوب حضانتها ونفقتها ، فلما لم يثبت شيء من ذلك ـ علمنا انتفاء البنتية وأنها أجنبية ، فلا تدخل في آية التحريم ، وتبقى داخلة في قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ).
ثانيا : تمسكوا بقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» درجة الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلىاللهعليهوسلم أخبر أن الولد للفراش ، وهذا يقتضي حصر النسب في الفراش فلو كانت بنت الزنا بنتا للزاني ، لبطل الحصر ، وهو منتف لوقوعه في خبر الرسول صلىاللهعليهوسلم.
قال الماوردي : وإنما جاز له أن يتزوجها لثلاثة أمور :
«أحدها» لانتفاء نسبها عنه ، كالأجانب.
«وثانيها» لانتفاء أحكام النسب بينهما من الميراث والنفقة والقصاص.
وثالثها : «لإباحتها لأخيه» ، ولو حرمت عليه لأنه الأب لحرمت على أخيه ، لأنه العم.
وقد نوقش دليل الشافعية الأول : بأن قولكم : إن بنت الزنا أجنبية عن الزاني غير صحيح ، فإنها مخلوقة من مائه ؛ فهي كالبنت في النكاح ؛ إذ لا معنى لكونها بنته ، إلا لأنها مخلوقة من مائه ، وقولكم : لو كانت بنته ، لثبت لها الميراث وغيره لا يفيد ، فإن تخلّف بعض الأحكام لا ينفي كونها بنتا له ؛ ومما يؤيد ذلك : أنه إذا كان ولده كافرا لا يرثه ومع ذلك لا يمكن أن يقال : إنه أجنبي عنه ، فكذلك الحال في البنت من الزنا.
ويقال لهم في الدليل الثاني : إن قولكم : إن الحديث يقتضي حصر النسب في الفراش مسلم ، ولكن نقول لكم : إن النسب الذي اقتضى الحديث حصره في الفراش هو النسب الشرعي الذي تترتب عليه ـ