الجملة ، فقال : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) والكلام [في](١) مثله قد تقدم من أن الفاء النية بها التقديم على الهمزة ، وأن مذهب الزمخشريّ تقدير فعل بينهما.
قال أبو حيّان : وتقديره ـ في مثل هذا التركيب ـ متكلّف جدّا.
والذي يظهر من التقديرات : أجعل لكم تمييزا بين الضالّ والمهتدي ، فمن اتبع رضوان الله واهتدى ليس كمن باء بسخطه وغل ؛ لأن الاستفهام ـ هنا ـ للنفي.
و «من» ـ هنا ـ موصولة بمعنى الذي في محل رفع بالابتداء ، والجار والمجرور الخبر ، قال أبو البقاء : «ولا يجوز أن يكون شرطا ؛ لأن «كمن» لا يصلح أن يكون جوابا». يعني : لأنه كان يجب اقترانه بالفاء ؛ لأن المعنى يأباه. و «بسخط» يجوز أن يتعلق بنفس الفعل ، أي : رجع بسخطه ، ويجوز أن يكون حالا ، فيتعلق بمحذوف ، أي رجع مصاحبا لسخطه ، أو ملتبسا به ، و (مِنَ اللهِ) صفته.
والسّخط : الغضب الشديد ، ويقال : سخط ـ بفتحتين ـ وهو مصدر قياسي ، ويقال : سخط ـ بضم السين ، وسكون الخاء ـ وهو غير مقيس. ويقال : هو سخطة الملك ـ بالتاء ـ أي في كرهه منه له.
وقرأ عاصم (٢) ـ في إحدى الروايتين عنه ـ رضوان ـ بضم الراء ـ والباقون بكسرها ، وهما مصدران ، فالضم كالكفران ، والكسر كالحسبان.
فصل
(أَفَمَنِ اتَّبَعَ) الهمزة فيه للإنكار ، والفاء للعطف على محذوف ، والتقدير : أفمن اتقى فاتبع رضوان الله وقوله : «باء» أي : رجع ، وقد تقدم.
واختلف المفسّرون ، فقال الكلبيّ والضحّاك : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) في ترك الغلول (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) في فعل الغلول؟.
وقيل : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) بالإيمان به والعمل بطاعة (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) بالكفر به والاشتغال بمعصيته؟ وقيل : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) وهم المهاجرون (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) وهم المنافقون؟.
وقال الزّجّاج : لما حمل المشركون على المسلمين دعا النبيّ صلىاللهعليهوسلم أصحابه إلى أن يحملوا على المشركين ، ففعله بعضهم ، وتركه آخرون ، فقوله : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) وهم الذين امتثلوا أمره (كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) وهم الذين لم يقبلوا قوله؟
__________________
(١) في أ : على.
(٢) انظر : السبعة ٢٠١ ، ٢٠٢ ، والحجة ٣ / ٢١ ، ٢٢ ، والعنوان ٧٨ ، وإعراب القراءات ١ / ١٠٨ ، وحجة القراءات ١٥٧ ، وشرح شعلة ٣٠٩ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ، وإتحاف ١ / ٤٧٢ ، ٤٩٣.