أمهاتهن كما أنّ الرّبائب متّصلات بأمهاتهنّ ؛ لأنّهنّ بناتهنّ ، هذا وقد اتفقوا على أنّ التحريم لأمهات النساء مبهم ، انتهى.
ثمّ قال : إلا ما روي عن عليّ ، وابن عبّاس ، وزيد بن عمر ، وابن الزّبير أنّهم قرؤوا «وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن» ، وكان ابن عبّاس يقول : والله ما أنزل إلّا هكذا ، فقوله أعلّقه بالنّساء والرّبائب إلى آخره ، يقتضي أنّ القيد الذي في الربائب ، وهو الدّخول في أمّهات نسائكم كما تقدّم حكايته عن عليّ وابن عباس. قال أبو حيّان (١) : ولا نعلم أحدا أثبت ل «من» معنى الاتصال ، وأمّا الآية والبيت والحديث فمؤّول.
فصل
روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنّه قال : الرّبيبة إذا لم تكن في حجر الزّوج ؛ وكان في بلد آخر ثمّ فارق الأمّ بعد الدّخول فإنّه يجوز له أن يتزوّج الربيبة ، واحتجّ على ذلك بقوله (اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)(٢) شرط في تحريمها كونها ربيبة في حجره فإذا لم تكن في تربيته ، ولا في حجره فقد فات الشّرطان. وأمّا سائر العلماء فإنّهم قالوا : إذا دخل بالأم حرمت بنتها عليه سواء كانت في تربيتها أو لم تكن لقوله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) علّق رفع الجناح بمجرّد عدم الدّخول ، وهذا يقتضي أنّ المقتضي لحصول الجناح هو مجرّد الدّخول ، وإنّما ذكر التّربية والحجر حملا على الأعمّ الأغلب لا أن تفيد شرطا في التحريم.
قوله : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) الحلائل جمع حليلة ، وهي الزوجة سميت بذلك ؛ لأنها تحل مع زوجها حيث كان فهي فعيلة بمعنى فاعلة ، والزوج حليل كذلك قال الشاعر : [الكامل]
١٧٧٨ ـ أغشى فتاة الحيّ عند حليلها |
|
وإذا غزا في الجيش لا أغشاها (٣) |
__________________
ـ والدّد : اللهو واللّعب ، وهي محذوفة اللام وقد استعملت متمّمة : ددا كندى ، وددن كبدن ، ولا يخلو المحذوف أن يكون ياء ، كقولهم يد في يدي ، أو نونا كقولهم لد في لدن ، ومعنى تنكير الدّد في الجملة الأولى : الشّياع والاستغراق ، وأن لا يبقى شيء منه إلا وهو منزّه عنه ، أي : ما أنا في شيء من اللهو واللّعب. وتعريفه في الجملة الثانية ؛ لأنه صار معهودا بالذكر ؛ كأنه قال : ولا ذلك النوع مني ، وإنما لم يقل ولا هو مني ؛ لأنّ الصريح آكد وأبلغ. وقيل اللام في الدّد لاستغراق جنس اللّعب. أي ولا جنس اللّعب مني ، سواء كان الذي قلته أو غيره من أنواع اللّعب واللهو. واختار الزمخشري الأوّل ، وقال : ليس يحسن أن تكون لتعريف الجنس لأن الكلام يتفكّك ويخرج عن التئامه. والكلام جملتان ، وفي الموضعين مضاف محذوف تقديره : ما أنا من أهل دد ولا الدّد من أشغالي. ينظر النهاية ٢ / ١٠٩.
(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٢٢٠.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٤٣) وعزاه لعبد الزراق وابن أبي حاتم بسند صحيح.
(٣) البيت لعنترة. ينظر ديوانه (٣٠٨) ، والبحر ٣ / ٢٠٣ ، والدر المصون ٢ / ٣٤٣.